من عادات أهل مكة أنهم ينصبون خياما خارج المدينة، ليلة الشك، ل»فتح الشهية عن آخرها« بشواء اللحم الأحمر والأبيض والاحتفال لغاية الإمساك، ويسمون هذه العادة »شعبنه« ويطلقون على أنفسهم اسم »الشعبانيين". لكن هناك أكثر من مليار و400 مليون مسلم يمارسون الطقوس نفسها »الرمضنة« لمدة ثلاثين يوما، ونتجنب تسميتهم ب»الرمضانيين«، بالرغم من اتفاق الجميع على تسمية رمضان بالشهر الفضيل أو المبارك أو الكريم، واختلاف الأنظمة على تاريخ مولده، ورجال الدين حول" الرؤية " وتفاوت النهب والتسول من قطر لآخر، والكل يعيش خارج "زمن العمل والإنتاج". سنة وشيعة و الموروث الانتقامي السياسة إبنة الدين في الفكر الشيعي المعاصر، والدين إبن السياسة في الفكر السنّي المعاصر، لكن الهوة بين الشيعة والسنة تزداد اتساعا، بسبب »الموروث الانتقامي« التي تحاول قناة »المستقلة« للهاشمي الحامدي نزعه، دون التعرض إلى ثنائية »مكة قم« أو »بكة الكوفة«. وبالرغم من أسئلة »الأهلة« واضحة في سورة البقرة، والأحاديث النبوية، إلا أن الاختلاف ليس في »الرؤية بالعين المجردة« فحسب وإنما بين علماء الشيعة، وكذلك بين علماء السنة، بالرغم من أن الصوم في أقطارنا العربية والإسلامية هو قضية سياسية لا تختلف عن عيد الأضحى أو عيد الفطر. ليبيا بدأت صومها الأحد الماضي، وبقية الأقطار العربية يوم الإثنين باستثناء سلطنة عمان التي اختارت الثلاثاء على طريقة الباكستانيين. الرؤية ب»الميكروسكوب« لم تثبت ليلة الإثنين، ولكن القرار السياسي حددها، وأغلب الدول العربية والإسلامية لا تستخدم الرؤية في الأشهر القمرية، وإنما فقط في شهر رمضان الكريم. الخلافات بين الأقطار العربية والاسلامية جعلت البعض يقدم والبعض الآخر يؤخر »ميلاد الشهر الفضيل«. أكثر من مليار و400 مليون مسلم يصلون بالتوقيت الدولي ويضبطون حياتهم على ما يقرره علماء الفلك، ولكنهم في شهر رمضان يتحولون إلى »سنيين« أو »شيعة«، البعض من الأقطار يتبنى »الرؤية« للهلال داخل بلده فقط، والبعض الآخر يصوم كل عام مع بلد من بلدان الجوار، حسب تقارب أو تباعد السياسة. البعض مايزال يؤمن ب»الرؤية« بالعين المجردة مثل عهد الإسلام في عهد الرسول (صلعم). بالرغم من أن عهد (صلعم) لو يعود اليوم إلى مكةالمكرمة لتساءل: ما إذا كانت هي مكة التي نزل فيها الوحي عليه. والبعض الآخر لا يرى مانعا من استخدام الوسائل الحديثة، ولا يطالب بذلك لرصد بقية الأشهر القمرية. البعض اخترع أشهرا خاصة به، والبعض الآخر يعمل بالأشهر اللاتينية والكثير يزاوج بينهما. هوة واسعة وعميقة تتكرر كل سنة بين أكثر من مليار و400 مليون مسلم، دون أن يتوصل علماء الدين إلى قرار يوحد الجميع. الخلافات السياسية بين الأنظمة في الوطن العربي والعالم الإسلامي تظهر في »ثبوت الرؤية« وتعطي لخصوم الإسلام »الذخيرة الحية« للإساءة إلى الإسلام. يتساءل البعض: هل نحن في عالم إسلامي واحد أم عوالم إسلامية؟ ويتساءل البعض الآخر: هل مصدر الخلاف في فقدان »النص الديني« الصريح أم في معنى الرؤية«، والتي صار لها »شاهد تليسكوبي«، وعشرات فرق رصد الأهلة، وأموال باهظة لإثبات »الرؤية«، بالرغم من أن القرار النهائي لهذه الرؤية هو في يد الحاكم وليس العالم، حتى أن البعض من المواطنين صاروا يتساءلون: هل هو هلال واحد أو عدة أهلة؟ وكأنهم يريدون إيهامنا بأن القمر الذي داسته أقدام الروس والأمريكان ليس هو القمر الذي نصوم على رؤية مولده. اجتهد التيار الشيعي من علماء الدين في الاختلاف بين الرؤية الواضحة والرؤية »المغيبة« واختلفوا كذلك في مفهوم وحدة الأفق أم تعدده، ولكنهم لم يختلفوا في آن »الموروث الانتقامي« هو مصدر أحكامهم. اختلاف علماء الدين السنة في الاعتماد على ثبوت الرؤية أم قرار الحاكم الذي يعيّنهم في »المناصب الدينية«؟ ولكن البعض منهم يكاد أن يوهمنا بأن الخطر القادم هو من زحف الشيعة وليس من إسرائيل أو أمريكا. المرجعية الدينية لدى الشيعة والسنة هي القرآن والسنة، والاختلاف في الموقف من الخلفاء الراشدين والصحابة، لكن من يقرأ »مصحف فاطمة«، أو يطلع على عقائد الشيعة يخيّل له أن هناك إسلاما بمرجعيتين مختلفتين. مشاريع إسلامية لرصد الأهلة وليس هناك مشروع إسلامي واحد لرصد أوجه الاتفاق والاختلاف بين الشيعة والسنة حتى نضع حدّا للحرب غير المعلنة في البلدان العربية والإسلامية والمعلنة في العراق بين السنة والشيعة. السلطان والملك والأمير والرئيس والزعيم هم الذين يقررون مصائر الشعوب، وعلماء الشيعة والسنة هم الذين يقودون »حرب الفتنة« داخل الإسلام. ما الذي يمنع علماء السنة والشيعة من أن يتفقوا على أن تكون مكةالمكرمة مرجعهم في تحديد مولد الهلال وعيد الأضحى؟ وما الذي يمنع هؤلاء العلماء من الأخذ بالحسابات الفلكية على أن تكون مكةالمكرمة هي ساعة »بيغ بن« الإسلامية، مثلما هو الحال بالنسبة لأوروبا حتى نقطع الطريق أمام من يتساءل لدى السنة والشيعة معا: كيف يمكن لشخص أن يقرر مصير أمة؟ العالم يحتل بالعلم الكواكب والفضاء، ويحضر لطاقة بديلة (كهرباء) توزع عبر الأقمار الصناعية، ويرصد تغيرات الطقس حتى يتفادى الكوارث الطبيعية، ونحن مازلنا مختلفين حول »ميلاد هلال«، بالرغم من أن الكسوف والخسوف يحددهما علماء الغرب وليس العلماء المسلمون. شعوب »ملء البطون« ونهب »الجيوب«؟! يتميز رمضان المبارك عن بقية ال11 شهرا من السنة بأنه ليس شهر العبادات فحسب وإنما شهر »ملء البطون« و»عطلة الأفكار والأجساد« والاحتيال والنصب، والتسول والصدقات، صارت الزكاة لا تقدم لدعم »ميزانية الدولة« مثلما كانت في عهد الخلفاء الراشدين، وإنما ل»المنّ« على الفقراء. مفتى الجمهورية المصرية أصدر فتوى بتقديم الزكاة حتى يتمكن الفقراء من الاستفادة منها، وليس إلى الإفتاء باستثمار الزكاة حتى نقضي على البطالة. ليس غريبا أن ترتفع الأسعار في معظم الأقطار العربية ولكن الغريب أن يرتبط هذا الارتفاع البشع بشهر مبارك. وليس غريبا أن تدعم الأنظمة العربية مواطنيها ماديا، ولكن الغريب أن تهينهم خلال هذا الشهر الفضيل فتحولهم إلى متسولين، وتتصدق عليهم ب»أموالهم« من خزينة الدولة. أيعقل أن تصبح الجزائر مأوى لأكثر من تسعة ملايين فقير. وأن تتحول الأموال العامة إلى صدقات تقدمها السلطة لتسويق صورتها لدى الشعب في شكل قفة بقيمة ثمن »مقدمة ابن خلدون« لمليون و500 ألف مواطن؟ أوَليس من العار أن تفتح »مطاعم الرحمة« للمواطنين في بلد مدخوله السنوي من البترول دون حساب الغاز أكثر من 60 مليار دولار؟ الشباب تحولوا إلى متسكعين في الشوارع، والأرصفة أعطيت للصوص الأحياء. اللصوص الصغار يعتدون على المواطنين في وضح النهار والشرطة والدرك وأعوان الأمن صاروا مثل جامعي الضرائب همّهم الوحيد، ليس أمن المواطن ولا الوطن، وإنما سحب شهادات السياقة وكتابة المخالفات، لأن الميزانية التكميلية وفرت لبعضهم »مدخولا جديدا«، وهي أخذ نسبة من ثمن »المخالفة«. مراكز الشرطة والدرك لم تعد تقبل اللصوص، وإذا تقدم مواطن بشكوى فإن اللص يطلق سراحه، وكأن شيئا لم يكن، صار المواطن يخاف من تقديم اللص إلى الأمن وأسلاكه، وصار المواطن لا يعطي المعلومة حتى يحمي نفسه أو بلده. المعمرون عادوا بقوة عبر الجاليات الجزائرية في الخارج التي لا توفر العملة الصعبة للبلاد، كما هو عند جيراننا في تونس والمغرب، وإنما تقوم بتهريبها، العدالة تنتصر للمستعمر في قضايا العقار، والحكومة همها الوحيد هو إيهام الرأي العام الجزائري بأن المستثمرين العرب صاروا خطرا على الجزائر. لم تغير القانون الخاص بالاستثمار وحق المستثمر في تحويل أرباحه إلى البنوك الأجنبية، وإنما راحت »تهدد« وتطالب ب»اقتسام الأرباح«. الرئيس يعترف بوجود »خلل« في تطبيق برنامجه، ولكنه لا يجرؤ على محاسبة المتسببين فيه. في الغرب، فرنسا نموذجا، تقدم السلطات حوافز مادية لمن يستبدل سيارته القديمة بسيارة جديدة، ويصعب أن تجد سيارة لدى مواطن غربي مرت عليها ثلاث سنوات. لكن في الجزائر توجد حكومة، سامحها الله، تفرض ضرائب خاصة بها على كل من يشتري سيارة جديدة، بهدف الإبقاء على السيارات القديمة، لأن هناك من يستثمر في »المراقبة التقنية« للسيارات، والسيارات الجديدة قد تغلق أصحاب هذه المحطات التي يقف وراء بعضها رجال في الظل. مشكلة النظام في الجزائر أنه فقد الواجهة التي كان يستخدمها غطاء سياسيا، وهي جبهة التحرير، فقد صارت مثل »الأرندي« و»حمس« لا تدافع عن السلطة وإنما عن وجودها في السلطة. فقدت الأحزاب مبررات وجودها في السلطة »أو »المعارضة« وفقدت الجمعيات مبرر وجودها، فالكشافة صارت نموذجا للصراع حول تدمير »الجيل الصاعد«. لو أن السلطة تتخلى عن دعم الأحزاب والمجتمع المدني، وتحول ذلك لصالح ورشات للشباب لربما تغير مفهوم النضال السياسي والنضال المدني. الجزائر فيها مال وشعب ولكنها تفتقد إلى قيادة شابة تسترجع هيبة الدولة، وتعيد للمواطن ثقته في بلده. وإذا لم يحدث تغيير جذري يضع حدا للفساد المالي والسياسي ويعيد الاعتبار للعمل والأفكار، فإننا سنتحول مثل الخمسة ملايين علم التي أنجزت للاحتفالات ب5 جويلية الماضي، ولم تدخل بيوت المواطنين، ولم تعلق حتى في العاصمة، وقد تحولت يومها والتقطت صور لمدينة ميتة لا يوجد في شرفاتها علم واحد، ولكن في إذاعاتها »حديث« عن أعلام وهمية.