ترددت قبل أن أكتب هذه الرسالة هل سأكتبها مقالة أم خاطرة أم قصة أم ضربا آخر من ضروب المقال ولكن سرعان ما ارتأيت أن أكتبها رسالة مفتوحة إلى ولي الأمر أو ولاة الأمر وواقع الأمر لا يتعلق بشكوى، بل بنخوة جزائرية وجدتها هناك في قطاع غزة تتألم بعيدا * عن هذا الوطن، حينما رافقت مؤخرا سفينتي كسر الحصار من قبرص إلى غزة كمراسل لقناة الجزيرة، ومما رأيت هناك، جزائريين وجزائريات يحملون بين جوانحهم مشاعر وطنية لاتزال على فطرتها لم تدنسها أحلام الهروب من الجزائر بأي وسيلة. نساء جزائريات محاصرات في غزة، لا ذنب لهن سوى أنهن تزوجن من رجال فلسطينيين، إحداهن كان مهرها أن ترى أهلها كل عام، ولكن يقول لي زوجها: الحصار جعلني أشعر بالخزي وبأني لا عهد لي ولا كلمة.وكثيرات هن اللواتي انقطع بهن حبل الوصال وصلة الرحم في ظل الحصار، وصار معبر رفح طريقا إلى الجنة.. لكن باب تلك الجنة موصد في وجوههن.. * وعندما دخلت غزة وسمعن بي: ابن الجزائر قادم من خارج غزة، حرصن على الالتقاء بي ومع أزواجهن في أكثر من مناسبة وحرصن على البوح لي لعل وعسى صوتهن يصل وشكواهن تعرف طريقها إلى أولي الأمر في الجزائر، البعض حزمن حقائبهن ويتطلعن يوميا إلى معبر رفح أو إلى مسؤول جزائري يقوم بترتيب خروجهن مع أولادهن لزيارة الجزائر أو العودة إليها، واحدة منهن باعت أثاث البيت كله وتستعد لشراء تذاكر العبور إلى مصر وتذاكر الطيران إلى الجزائر عقب ذلك. التقيت بجزائرية أخرى ينحدر أصلها من الذين هاجروا مع الأمير عبد القادر إلى دمشق، دمها الجزائري جعلها تحرص على الزواج فقط بجزائري، وكان لها ما أرادت وتزوجت من جزائري آخر هاجر أبوه من الجزائر إلى سورية عام 1913م، ودارت الأيام فوجدت العائلة نفسها في اليمن ثم غزة، زوجها ابن الحضنة في ولاية المسيلة وجد نفسه محاصرا مع أهله وأولاده الذين يحملون كلهم جوازات جزائرية منتهية الصلاحية، وحلم العودة لا يفارقه، هو الآخر مع زوجته يتطلعان إلى يد جزائري تمتد إليهم أو دبلوماسية نافذة تسهل لهم العبور عبر معبر رفح حالما يفتح اغلبهم يتألم حصرة وغيظا وعجزا. زرته في بيته وفارقته وهو يبكي ويقول لي إن ذهبت إلى الجزائر فقبل لي تربتها.. * كثير منهم سمع عن وفاة أبيه أو أمه أو أقرب المقربين إليه ولكن الحصار لهم بالمرصاد وفوق ذلك يتملكهم شعور بالإهمال. تقول لي إحداهن أن روسيا ورومانيا أرسلتا موفدين إلى غزة ونجح الروس والرومانيون في إخراج النساء وأولادهن، بل وأزواجهن من تحت الحصار!! وتظل بنات الجزائر تستغثن ولا مغيث أو على الأقل تسمعن جعجعة ولا يرين طِحنا أو طحينا. استفسرت أمام جمع منهن، واتصلت هاتفيا بالسفارة الجزائرية في القاهرة فقيل لي أن الملف على الطاولة وان حل هذا المشكل من أولويات السفارة، فمتى تثمر الجهود يا ترى؟ ومتى يتوقف الشارع في غزة عن الحديث عن نساء الجزائر اللواتي يعانين الحصارين.