في واحدة من بين أجمل كتابات أدب الرحلات، يطل علينا كتاب »بساط الريح« لصاحبه الدكتور فوزي أوصديق، ليروي فيه قصصا وحكايات عن بلدان عدة، المميز فيها اللمسة الإنسانية التي جاب فيها أكثر من 30 دولة اختلفت دياناتهم، لغاتهم، معتقداتهم، وعاداتهم وتقاليديهم، لكن أوصديق استطاع أن يجمعهم باسم شيء واحد هو الإنسانية. الكتاب الذي قدمه مدير تحرير الشروق اليومي الأستاذ محمد يعقوبي والذي وصف رحلته بأنها لم تكن سياحية أو استراحة، لكنها كانت العين التي رأينا من خلالها كيف يعيش المغبونون في الأرض. كثيرة هي التجارب التي استقاها ورصدها في صورة متناسقة الجمال بين وصف طبيعة البلد وعادات وتقاليد الشعوب، يتحدث فوزي أوصديق عن زياراته للدول العربية فيصف بإتقان حضارة وجذور دولة اليمن السعيد وحكايا مملكة الهدهد والملكة سبأ، فيما يعيد لأثيوبيا جذورها الضاربة في قصة بلاد الحبشة، وفي وصفه لها يتحدث قائلا: أثيوبيا ليست وفقط بلد المجاعة، إذ يعتبر الأسطول الجوي بها من بين أحسن الخدمات التي توفرها الأساطيل الجوية. فوزي أوصيديق في زياراته لم يكتف فقط بالدول العربية ينتقل إلى أعماق أعماق إفريقيا ليحدثنا عن البنين أو كما أسماها »مملكة الداهومي«، ليكتشف في داخلها أن المسلمين وبالرغم من قوتهم الثانية في البلاد، إلا أنهم محاصرون في عقيدتهم بحملات التبشير والتنصير والتشكيك. ويقول عن السنغال إنها منارة التعايش في إفريقيا، وفي أجمل وصف يقدمه عن »دولة بوركينافاسو« التي يسميها »بأرض الناس التي يصعب إفسادها«. فوزي أوصديق طاف على بساطه في دول أفريقية كثيرة ربما لم نكن نعرف عنها غير الإسم على غرار دولة »توغو« ليعرج عن النيجر هذا البلد المسلم الذي قال عنه إنه يموت جوعا، إذ يكشف أنه تضربه بمعدل كل عشر سنوات أزمة غذائية نظرا لشح وقلة الإمطار، كما لم ينس أيضا جيبوتي الدولة العربية التي لسانها فرنسي. أوصديق لم يكتف وفقط بالدول الملمة في أفريقيا، جاب أيضا في رحلة البحث عن الإنسانية، ساحل العاج، غامبيا، غانا... وأنا أتصفح كتاب فوزي أوصديق لمست دولة ولربما إسما أسمعه لأول مرة أن هناك بلد يسمى »مورشيوس« والتي هي عبارة عن جزيرة بركانية تقع في المحيط الهندي والتي يكشف فيها أن تعداد المسلمين يقدر بها ب20 بالمائة. ويعرج على جزيرة »الرنيون« أو كما أسماها جزيرة العطور والأعاصير، حيث التقى في هذه الجزيرة ببعض الفرنسيين المولودين في الجزائر أو الأقدام السوداء ونقل شغفهم على الأرض التي لعبوا فيها وترعرعوا وهي الجزائر، كما يسمي موريتانيا بقصر الرمل الشامخ ومنارة العلم. لم ينس فوزي أوصديق سنغافورة أيضا إحدى النمور الأربعة ولا حتى اليابان ويرسم بصورة جمالية رائعة تفاني الإنسان الياباني في العمل من خلال وقوفه في إحدى المقاهي الفرنسية. يتحدث عن »تايلاندا« أو بلد العجائب والغرائب ويحدثنا عن سر اللون الأصفر لملابس سكانها، إذ يقول والذي هو عبارة عن لون الملكية وعليه هو لون مقدس بالنسبة لتايلاندا، وهو نوع من الاحترام تجاه الإمبراطور. وفي زيارته لتركيا البلد الذي يشكل المسلمون الأغلبية الساحقة ب99.8 بالمائة، باكستان أيضا كانت من ضمن البلدان التي زارها أوصديق والتي يصفها ب»القوة الواعدة«. وفي أجمل العناوين التي وضعها، يتحدث فوزي أوصديق عن السودان التي يقول عنها إنها البلد الذي يبحث عن الحرب، فيما يضرب مثالا رائعا عن دولة إيران والتي يصفها بأسلمة الحضارة الفارسية يتحدث عن تضاريس هذا البلد لينسج صورة جمالية فاتنة كيف يمكن للجبال أن تحتضن المدن بثوبها الأبيض. باختصار كتاب أوصديق هو فعلا بساط للريح طاف به كاتبه وأخذ معه قراءه في رحلة رائعة من أدب الرحلات نسج زواياها في حبكة جمعت تقاليد وأعراف الشعوب باختلاف دياناتهم وألسنتهم وعقائدهم... في شيئ يجمع كل الشعوب ألا وهو الإنسانية.