صوت هادئ مسترسل، لا يعرف التأتأة أو التعلثم، له سرّ رباني في استقطاب حوالي ثلاثة آلاف مصلي في صلاة التراويح، هو تلميذ بالمرحلة الثانوية شعبة علوم، يؤمّ أستاذه وعشيرته والبعيد والقريب وهو لايزال في الربيع العاشر بعد الستة من عمره، سبق له إمامة المصلين في صلاة التراويح العام المنصرم وكذا هذه السنة، بمسجد التوبة في مدينة ميلة. * الشاب »اسماعيل زياني«، الذي حاورته الشروق بعد أكثر من محاولة، لأنه، كما قال عن نفسه، حفظت القرآن الكريم لوجه الله، علما أن إسماعيل سبقت له محاولة حفظ كتاب الله وهو تلميذ في السنة الثالثة ابتدائي نظرا لميله الكبير لحمل القرآن منذ نشأته الأولى، إلا أن الغياب المفاجئ لشيخه، أخر أمنية اسماعيل لسنوات أخرى. لم يتردد بعدها في الالتحاق بالتحفيظ المسجدي، الذي تخرج منه بعد عامين ونصف حاملا لكتاب الله ونال جائزة أول حافظ، مما رشحه لإمامة الناس في رمضان في نفس المسجد الذي كان يتعلم فيه القرآن. * »اسماعيل« ينتمي إلى أسرة محافظة، حين سألناه عن اعتزازه وفخره بحفظ القرآن الكريم وحمله إياه بين جنباته، أجاب بلا غرور، أنه غير راض عن نفسه، لأنه في أمور الدين ينبغي النظر إلى من هم فوقنا، وحفظ كتاب الله بالنسبة لإسماعيل ما هو إلا خطوة أولى على الطريق تتطلب مزيدا من تكثيف الجهود والتحصيل العلمي، هكذا كان تبادل الحديث مع اسماعيل يستند في رده بأقوال الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالدليل من القرآن. وحول سؤالنا إياه أن كثير من الناس يتحججون بعجزهم عن تلاوة آيات الله لشعورهم بشيء يحول بينهم وبين القرآن، أجاب أن ذلك جهلا بقيمة الشيء وأيضا بسبب البعد عن الله، لأن القرآن هو سر التقوى، سر الحياة والنجاح كذلك. * طموحات اسماعيل أن يواصل دراسته مع تواصله الدائم مع القرآن، ليتخصص في العلوم الشرعية، لكنه لا يتمنى أن تقزم طموحاته نتيجة سلطة معينة، فهو الذي كان طفلا صغيرا تملأ أذناه أجود أصوات المرتلين، يريد أن يصبح بدوره كذلك، وهذا ما يوحي أن هذا التلميذ الذي أدرك وعيه محبا للقرآن لا يتوقف طموحه عند الأمنيات البسيطة والهمم المحدودة. * وحول أدائه الصلوات المفروضة في المسجد، أجاب في صورة بداهة الأمر أن ذلك لا يحتاج إلى نقاش، وأضاف قائلا، أحد أسباب قلة غروره بحمل كتاب الله، أنه من المفروض أن يكون هذا الأمر بديهيا كذلك، فلو كان حفظ القرآن لدى كثرة من الناس لصلينا التراويح في بيوتنا، إلا أن عكس الشيء جعل من حامل القرآن في أيامنا أمرا عظيما والمفترض أن نقبل جميعا على حفظه. * وهو يستغرب حقا ويعيب على بعض أئمة الدين والدعاة إلى الله قلة حفظهم لكتاب الله وأسوأ من ذلك ضعف عزيمة تعليمه للأولاد، رغم عظمة هذا القرآن الذي نعيش به ولأجله. * التلميذ اسماعيل زياني وإمام المصلين في أكبر مساجد الولاية، يمنحك انطباع الصحوة في أوساط الشباب، والثقة العالية في نفسه التي تنعكس على قسماته وكلماته الهادئة هدوء تلاوته، وخفة أدائه الذي لا يشعرك بالنصب، ذلك السر الرباني والعطاء الإلهي لشاب في أول الطريق ربما سخرته الأقدار ليكون شيئا مذكورا. وبكثير من التواضع، كان التلميذ وإمام المصلين يظهر في صورة طالب العلم الذي نبغ على أستاذه، التلميذ الذي علّمه والداه فأدى بهما صلاة التراويح وربيانه فأحسنا تربيته، وكفى بالمرء نعمة إذا أراد أن يعرف عند الله مقامه فلينظر فيما أقامه.