يُعتبر الكاتب والمترجم الجزائري المقيم في ألمانيا، بحوح نورالدين، من القلائل الذين تخصصوا في ترجمة الأدب الألماني القديم إلى اللغة العربية، حيث ترجم أعمالا كبيرة تُعد من بدائع الأدب الألماني في القرنين ال19 وال20، ووجدَت هذه الترجمات طريقها إلى النشر في عدد من الصحف الجزائرية. وفي دردشة مع "الشروق" تحدّث نور الدين عن تجربته الشخصية والأدبية في ألمانيا، التي يقيم فيها منذ أكثر من 12 عاما، ولم يخل حديثه من التعليق على ترجمات عربية لأعمال ألمانية، وخصّ بالذكر ترجمة الكاتب المصري المعروف عبد الرحمان بدوي لمسرحية "اللصوص". يُتقن نور الدين أربع لغات هي العربية والألمانية والإنجليزية والفرنسية ويقرأ ويترجم منها إلى اللغة العربية، لكن هجرته من بلدة التلاغمة بميلة إلى ألمانيا جعلته يهيم بلغتها ويغوص في حروفها ومعانيها، خاصة وأنه قارئ شرهٌ لا يملّ الكُتب ولا تملّه . يقول نور الدين للشروق "عندما جئت إلى ألمانيا اكتشفت حياة غير التي كنت أحياها ومجتمعًا غير الّذي كنت أعيش فيه وثقافة وروحا غير التي توجّه فكري وجسدي. فالإقامة في الغرب أتاحت لي أن أُصحّح كثيرًا من الأفكار التي حملتها عن حضارته وتلك الصّور النّمطيّة التي أخذتها له من كتابات بعض مفكّرينا العرب.. أكثر ما جذبني أنّي رأيت هوسًا في الإقبال على المطالعة من كلّ فئات المجتمع وانتشار المكتبات في كلّ زاوية من زوايا الأحياء وكأنَّ هذا لا يكفي فصاروا يُخصِّصون مكتبات متنقّلة تجوب الأحياء والشّوارع والقرى تسجّل فيها الكتاب الّذي ترغب في قراءته ليصلك في الأسبوع التالي. كما أنّ النّاس هنا حريصون على غرس حبّ المطالعة في نفوس أطفالهم حتّى يتحوَّل إلى إدمانٍ تجد النّفس مشقّة في التّخلّص منه، فلا ينام الصّبيّ دون السّادسة أو السّابعة قبل تُتمَّ له أمّه قراءة جزءٍ من قِصَّة وبلغة ألمانية فصيحة وسليمة". وعن الترجمة من الألمانية، قال محدّثنا "ليس من السّهل تعلّم الألمانية في وقتٍ قصير وأجد أنّه من الأفضل لي هنا أن أستعير من مارك تواين مزحة من مزاحاته التي ضمّنها كتابا بعنوان "اللّغة الألمانيّة: ما أفظعها من لغة" أوجز فيها معاناته في تعلّم اللّغة الألمانيّة وممّا قال "قد يتعلّم المرء الإنجليزيّة في ثلاثة أشهر، والفرنسيّة في ثلاث سنوات، أمّا الألمانيّة فإنّه يلزمه ثلاثون سنة كي يتعلّمها ". ويضيف "واللّغة الألمانيّة، بخلاف، فإنَّ الترجمة منها إلى العربيّة قليلة جدًّا وحتّى القليلة تتمُّ أحيانا عبر لغةٍ ثانية غالبا ما تكون الإنجليزيّة، أمّا فيما يخصّني فقد لجأت إلى آداب القرن ال19 وال20 للاعتبارات التّالية: أنها آداب بعيدة عن الإباحيّة والإلحاد والتّحلّل الأخلاقي، لازالت مقيّدة بالرّوابط الدّينيّة والأخلاقية كما أنها بيئة جديدة على القارئ وتزخر ببراعة تصوير الحياة الاجتماعيّة، وتصوير دقيق لأعماق النّفس البشريّة وحياة الفكر والرّوح بخلاف الآداب الحديثة فإنّها تصوِّر الحياة بلا روحٍ ولا فكر.إنَّها مجرّد تصوير للحياة الجارية". وعن رحلته مع الترجمة يقول "في البداية قمت بترجمة القصّة القصيرة ثمّ انتقلت بإلى ترجمة الأعمال المسرحيّة وأنا الآن منكبّ على عالم الرّوايات. أوّل عملٍ مسرحيّ استهواني فترجمته كان مسرحيّة "المنصور" للأديب والصحفي الألماني هاينريش هاينه وهي مسرحية شعريّة تصور معاناة العرب المسلمين الّذي بقوا في الأندلس بعد سقوط غرناطة، وقد نشرتها جريدة "الأنباء" قبل خمس سنوات. بعدها انصب اهتمامي على أعمال فريدريش شيلر، الملقّب بشكسبير ألمانيا، فنقلتُ إلى العربيّة "عذراء أورلينز" و"ماريا ستيوارت" و"عصبة اللّصوص". وهنا يعرّج نورالدين على ملاحظات سجّلها حول ترجمة الأديب الأديب المصري عبد الرحمان بدوي، فيقول "لقد عثرت على ترجمة عبد الرّحمان بدوي لمسرحية "اللّصوص" و"عذراء أورلينز" نشر وزارة الإعلام الكويتية. والحقّ يُقال إنَّها ترجمة حرفية فيها من الغثّ الكثير وبعربيّة ركيكة وخروج على المعنى وإخلال بالنَّصّ كبير ما كنت أنتظرها من رجلٍ في مقام عبد الرحمان بدوي، غير أنّي رجعت إلى سيرته الذّاتية فوجدته قد أقام في ألمانيا سنتين وهي مدّة غير كافية للتعمّق في تعلّم أي لغة". ويعكف نور الدين، حاليا، على ترجمة "بائعة الخبز" من الفرنسيّة للكاتب كزافييه دي مونتيبان.