عندما يعلو الصوت في الكيان الصهيوني حول ما ينبغي اتخاذه من اجراءات في مرحلة ما بعد سقوط السلطة فإنهم يقتربون من اكتشاف حقيقة انهم يدخلون المجهول في صراعهم مع شعب فلسطين وان انجازاتهم كلها خلال قرن وزيادة اصبحت برسم الانهيار.. وتعود من جديد هواجسهم الوجودية.. وهنا لابد من النظر من آخر ما وصل اليه الاحتدام بين الفلسطينيين والمشروع الصهيوني، حيث لا يمكن الوقوف عند نقطة في حرمة التاريخ والتمركز حولها والتقيد بمعطياتها واستحقاقاتها. من هنا بالضبط نفتح الباب على مشهد "نشأت ملحم" بطل عملية تل ابيب، حيث انطلق قبل اسبوع برشاشه في قلب مدينة تل ابيب يطلق النار على مجموعة من ضباط العدو الصهيوني فيقتل اثنين ويصيب ثمانية قبل ان ينسحب وفق خطة محكمة أفقدت المؤسسات الأمنية الصهيونية أي خيط للمتابعة، الأمر الذي جعلها محل سخرية الجميع.. نشأت ملحم ليس حالة معزولة، بل هو عنوان مرحلة كاملة فيها عناصر لا بد من إبرازها، الأول ان العملية تمت في فلسطين المغتصبة التي يعترف كثير من دول العرب والمسلمين بها انها دولة للصهاينة.. العنصر الثاني انها مقاومة مسلحة دقيقة واحترافية تعبر عن تخطيط وتدريب وإعداد، العنصر الثالث ان المنفذ ليس من غزة او جنين انما من العمق الفلسطيني، العنصر الرابع ان لا تنظيم فلسطيني اعلن مسئوليته عن العملية، وظل نشأت ملحم بلا عنوان ولا هوية فصائلية، والعنصر الخامس هو ما جاء على لسان نشأت وهو ينتهي من اطلاق رصاصاته: الآن نفتح الموضوع من جديد. نشأت ملحم عنوان من عناوين المرحلة التي نعيشها وهي تفيد بوضوح اننا ازاء نوع جديد من شباب فلسطين، وإذا قرأنا العناوين الأخرى مثل بهاء ومهند وأشرقت والحروب وسواهم فإننا نجد انفسنا امام رؤية متكاملة للصراع.. نرى ان هؤلاء الثائرين لم يتحركوا بناء على أوامر تنظيمية من أي فصيل فلسطيني، كما انهم يتحركون من كل فلسطين، وانهم يتحركون من اجل كل فلسطين ويقومون بعملياتهم في كل فلسطين، وهذه الأبعاد تسم ملامح مشروعهم، فلقد اصبحت الأداة النضالية معلومة كما هي ساحة المواجهة وكما هو الهدف. إن استطاع نشأت ان يفرض حظر التجوال على مناطق واسعة في مدينة تل ابيب الحصينة ويمنع كثيرا من اشكال الحركة من الحياة، فإن هذا يشير بوضوح إلى علامات العمل النضالي في المستقبل.. فمن ذا الذي يحمي المستوطنين في الضفة الغربية، ومن ذا الذي يحمى المصانع والمزارع الصهيوينة في العمق الفلسطيني.. ان فقدان الأمن تحول في الكيان الصهيوني إلى حالة من الذعر إلى الدرجة التي بدأ الصوت فيها يعلو بأن مخاطر تفكيك الدولة الصهيونية اصبح يقترب من الحقيقة كما اشار الصحفي الصهيوني "سخاروف" قبل يومين.. إن للفلسطينيين هدفا واحدا هو فلسطين، وان سبيلهم المقاومة بكل أشكالها وهم منتصرون بعون الله.. تولانا الله برحمته.