الوطن ليس وجهة نظر ولا مسألة اجتهادية.. الوطن هو ما اختزن من جهد الاباء وعرقهم وتضحياتهم واحلامهم وما يحوي من امال الابناء ومستقبلهم.. الوطن هو البيت والاهل والجيرة والمكان العبقري الذي يهب أهله وظيفتهم في الحياة.. وهو مع ذلك كله وقبل ذلك كله شرط الوجود ووجود كل شروط الحياة.. وعندما يعبث احد بالوطن (الارض والشعب) يكون كمن اراد الانتحار لنفسه او لاهله، وذلك بالضبط ما تفعله التنظيمات الفلسطينية اليوم. * منذ اكثر من سنة تاهت من الفلسطينيين اللغة واصبح كل فريق غير قادر ان يوصل للفريق الاخر ماذا يريد او ان يفهم من الفريق الاخر وجهة نظره.. وتحولت اللغة الى رصاص يدوي في المخيمات والمدن والقرى فسقط آلاف الفلسطينيين من شباب كان يتواعد على صبح الحرية والاستقلال سقطوا بين جريح وقتيل.. منذ تلك الايام المفصلية ركب كل منهم لجج الفتن وفتحت للشر مساحات تحرق أواصر الرحم وتفتك بشبكة العلاقات الاجتماعية وتنشأ مناخات للرزق والكسب الحرام لتتولد طبقات جديدة تتخمها النعم المستحدثة من مكاسب غير مشروعة لتصبح هذه الطبقات تدافع عن انشراخ الوطن والحلم وضياع الكلمات المفيدات. * في القاهرة كان الحوار الاعمى والاطرش والابكم امتدادا لحوارات سابقة مباشرة او غير مباشرة بين التنظيمين الفلسطينيين الكبيرين اذا وافقت فتح على شيء رفضته حماس واذا وافقت حماس على شيء رفضته فتح.. والمعابر مغلقة تشد الخناق على شعب يتلوى جوعا ومرضا وقهرا والاستيطان يفعل بمبضعه في الارض بلا تردد والحواجز تجعل تحرك الفلسطينيين جحيما.. والتنظيمان الفلسطينيان الكبيران يصران على شروطهما الخاصة للحوار والاتفاق.. وحار العقل في تصنيف مايحصل. * ماذا يقول الشعب الفلسطيني اليوم على إثر انفضاض اللقاءات في القاهرة دونما اتفاق..؟ ماذا يقول التاريخ في الطبقة السياسية الفلسطينية وهي تلقي بالحلم الوطني خارج دائرة الاهتمام وتقتل الأمل في نفوس الشعب؟ وماذا يقول العرب والأحرار في العالم وهم يرون اكثر قضايا البشرية عدالة أصبحت رهينة بيد من لايرعى لها حرمة؟ * الذي على كل من يقدم مصلحته الحزبية او الشخصية ان يعلمه ان فلسطين هذه هي محصلة جهود ودماء الاحرار من العرب والناس اجمعين.. لم يبخل عليها بالدم والمال والجهد والدعاء والبكاء احد من احرار العرب والمسلمين والبشرية.. ومن هنا يصبح اختطاف فلسطين رهينة لمصالح هذا او ذاك عملية مرفوضة ومذمومة ومدحورة ولن تستمر طويلا. * انها المرحلة الاصعب في التاريخ العربي وقضيته الفلسطينية ولكنها بلاشك اللحظات التاريخية التي تشهد ميلاد أفكار عظيمة تليق بقداسة القضية لدحر الهجمة العنصرية من قلب العرب ليعود للمنطقة استقرارها وأمنها.