لم يخطر على بال الكثير من العرب والمسلمين، أن يتحول حزب الله اللبناني الذي رفع شعار المقاومة ومحاربة دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى حركة طائفية تقاتل إلى جانب النظام السوري المستبد الذي استخدم كل القوة الممكنة لإخماد ثورة شعبية طالبت بالديمقراطية وإنهاء حكم عائلة الأسد، في إطار ما سمي ب"الربيع العربي" الذي اجتاح عدداً من الدول العربية في العام 2011. حزب الله الذي اكتسب وجوده عن طريق المقاومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي خصوصاً بعد اجتياح العاصمة بيروت عام 1982، هو تنظيم سياسي شيعي عسكري فرض نفسه بقوة على الساحة اللبنانية والإقليمية على مدى أكثر من عشرين عاماً. وكلل الحزب عمله السياسي والعسكري بإجبار جيش الاحتلال الإسرائيلي على الانسحاب من الجنوباللبناني في ماي من عام 2000، وتصدى له في حرب تموز/جويلية 2006 وألحق في صفوفه خسائر كبيرة زادت في شعبية الحزب إلى حد رأى فيه الكثير مثالاً في المقاومة التي لا تخضع لضعف الإمكانات وتخاذل الحكومات. "الشروق أونلاين" يرصد في هذا الموضوع أبرز المحطات التي ساهمت في بروز حزب الله كحركة مقاومة، وصولاً إلى ما آل إليه في نظر الكثيرين لمجرد "ميليشيا" تقاتل لأهداف طائفية.
نشأة حزب الله سبق الوجود التنظيمي لحزب الله في لبنان، وجود فكري وعقائدي يسبق هذا التاريخ، هذه البيئة الفكرية كانت لمحمد حسين فضل الله دور في تكوينها من خلال نشاطه في الجنوب. وكان قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة الخميني دافعاً قوياً لنمو حزب الله، وذلك للارتباط المذهبي والسياسي بين الطرفين. ووفق بيان صادر عن الحزب في 16 فيفري 1985 جاء فيه أن الحزب "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني، مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة". ومعظم أفراد الحزب هم من اللبنانيين الشيعة المرتبطين مذهبياً، بمرشد الثورة الإيرانية حالياً علي خامنئي، حيث يعتبرونه واحداً من أكبر المراجع الدينية العليا لهم، ويعتبر حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الوكيل الشرعي لخامنئي في لبنان؛ هذا الارتباط الأيديولوجي والفقهي بإيران سرعان ما وجد ترجمته المباشرة في الدعم السريع والمباشر من الجمهورية الإسلامية وعبر حرسها الثوري للحزب الناشئ. وتَشكل الحزب في ظروف يغلب عليها طابع "المقاومة العسكرية" للاحتلال الإسرائيلي الذي اجتاح لبنان عام 1982، ولذلك فالحزب يبني أيدلوجيته السياسية على أساس مقاومة الاحتلال. وكانت أولى العمليات التي قام بها الحزب وأكسبته شهرة مبكرة في العالم العربي، قيامه بنسف مقر القوات الأمريكية والفرنسية في أكتوبر عام 1983، وقد أسفرت تلك العملية عن مقتل 300 جندي أمريكي وفرنسي.
مقاومته للاحتلال الإسرائيلي مع بداية ظهوره حرص حزب الله على رفع شعارات الالتزام بالوحدة الوطنية في لبنان والدعوة إلى رفض الوجود الأجنبي فيه، وأبدى اهتماماً بالقضايا العربية والإسلامية وبخاصة القضية الفلسطينية، حيث ينادي حزب الله بالقضاء على دولة "إسرائيل"، كما يعتبر الأراضي الفلسطينية كلها أرضاً محتلة ويطالب بتحريرها من البحر إلى النهر. وتميز حزب الله بعملياته المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي والتي جعلته يخرج بمنطلقاته السياسية والعقائدية التنظيرية إلى حيز التطبيق العملي، وأكسبته شرعية وشعبية لدى الشارع اللبناني بل وحتى لدى العرب والمسلمين أيضاً. ويعتبر الحزب، أن تلك العمليات بالإضافة إلى كونها "عامل قلق أمني للإسرائيليين"، فإنها تمثل كذلك وكما يقول حسن نصر الله "رداً عملياً على المشروع السلمي للتطبيع مع العدو الإسرائيلي الذي يتبناه بعض المثقفين العرب"، حسب قوله. وكبدت العمليات العسكرية الناجحة لحزب الله جيش الاحتلال خسائر سنوية بلغت ما بين 22 و23 قتيلاً، وعدداً كبيراً من الجرحى والأسرى. وتشير مصادر حزب الله إلى أن متوسط العمليات العسكرية التي شنها في الفترة من 1989 وحتى 1991 بلغت 292 عملية، وفي الفترة بين عامي 1992 و1994 بلغت 465 عملية، أما في الفترة بين 1995 و1997 فقد بلغت تلك العمليات 936، وكان نصيب المقاومة الإسلامية - الجناح العسكري لحزب الله - 736 عملية. وقد بدأ جيش الاحتلال خطواته الأولى باتجاه الانسحاب نتيجة هذه العمليات الفدائية في وقت مبكر، فكان الانسحاب الأول الكبير في عام 1985، ثم تلته انسحابات أخرى لاحقة كان أبرزها؛ الانسحاب من منطقة جزين اللبنانية. وخلقت داخل المجتمع الإسرائيلي تياراً شعبياً قوياً يطالب بالانسحاب من "المستنقع اللبناني"، حتى تحقق هذا الانسحاب في ماي من العام 2000. بعد هذا الانسحاب بستة أعوام وتحديداً في 12 جويلية 2006، دخلت عناصر مقاتلة من حزب الله الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ونفذت عملية "الوعد الصادق" والتي كانت تهدف إلى أسر عدد من الجنود الإسرائيليين لمبادلتهم بأسرى لبنانيين وعرب في السجون الإسرائيلية، حيث أدت العملية إلى أسر جنديين إسرائيليين ومقتل ثمانية آخرين، فردت إسرائيل باجتياح الحدود اللبنانية ومحاولة التوغل في جنوبلبنان، وشنت حرباً على لبنان استمرت 33 يوماً. وكان من أهم أهدافها ما سمته ب"سحق حزب الله"، والقضاء على ترسانة الحزب العسكرية، وخاصة الصاروخية منها (والتي كانت ولا تزال تشكل تهديدا أمنيا لأراضيها من جهة الشمال)، واستعادة جندييها الأسيرين بالقوة العسكرية من دون تفاوض حول ذلك، إلا أنها فشلت في تحقيق أي من تلك هذه الأهداف، بل إنها أُجبرت على تنفيذ عملية تبادل أسرى مع حزب الله في جويلية 2008، حيث تم الإفراج عن سمير القنطار (قتل لاحقاً في سوريا في ديسمبر 2015) وأربعة أسرى لبنانيين من أفراد حزب الله، تم القبض عليهم في حرب جويلية 2006، وجثث 199 لبناني وفلسطيني وآخرين في مقابل تسليم حزب الله جثتي الجنديين الإسرائيليين اللذين تم قتلهما في عملية "الوعد الصادق".
قتاله إلى جانب الأسد بعد الثورة السورية في مارس 2011، حدث التحول الكبير لحزب الله، فأعلن دعمه للنظام السوري مما تسبب بتزايد الانتقادات ضده في العالم العربي والإسلامي خصوصاً عند المسلمين السُّنة، وفي عام 2013 أعلن الحزب تدخله عسكرياً في الحرب في سوريا ووقوفه مع النظام السوري بقيادة بشار الأسد. التدخل في سوريا كلف حزب الله ثمناً باهظاً، سياسياً وعسكرياً، فحين اندلعت الانتفاضة في سوريا ضد حكم عائلة الأسد الديكتاتوري، ربط حزب الله استمرار وجوده ببقاء النظام السوري، مما كشف عن أهداف جديدة للحزب بعيدة تماماً عن المقاومة ومحاربة "إسرائيل"، تمثلت في الدفاع عن أهداف إيران في المنطقة خصوصاً بعد هيمنة طهران على الحياة السياسية في العراق بعد انهيار الدولة إثر الغزو الأمريكي عام 2003 واستغلال الوضع في سوريا بعد تحول الاحتجاجات السلمية إلى التسليح والقتال لإسقاط الأسد الذي يحسب على الحلف الساعي لبقاء نفوذه في ما يعرف بالهلال الشيعي الممتد من إيران إلى لبنان. قرار تدخل حزب الله في سوريا جعل ظهره مكشوفاً ل"إسرائيل" ولم تفوت الأخيرة الفرصة لاصطياد قادة بارزين من إيران ومن حزب الله على مدى العام الماضي أو أكثر. وخسر حزب الله أربعة من أبرز مقاتليه من بينهم مصطفى بدر الدين زوج شقيقة القائد العسكري الراحل للجماعة عماد مغنية، الجمعة 13 ماي 2016، وتشير تقديرات من المعارضة السورية إلى أن حزب الله فقد أكثر من 2000 مقاتل في سوريا، حيث يقدم مقاتلو الحزب الذين يتمتعون بتدريب جيد المساندة للجيش السوري ضد مجموعة من جماعات المعارضة السُّنية. ولتقليل الخسائر في صفوفها وصفوف حزب الله، دفعت إيران بميليشيات شيعية من العراق وأفغانستان وباكستان للقتال إلى جانبهم في "الحرب المقدسة" بدعوى حماية المراقد الشيعية من هجمات "التكفيريين" في سوريا. وكان لتدخل حزب الله في سوريا واتهامه بالتحريض على حكام دول الخليج العربي، دوراً في تصنيفه كمنظمة إرهابية لدى مجلس التعاون الخليجي ولاحقاً جامعة الدول العربية، مما يشكل على ما يبدو إنذاراً أخيراً للحزب الذي فقد الكثير من المصداقية واقترب رصيده من النفاذ.