بعث إلي طالب جزائري هاو للبحث العلمي برسالة يشرح فيها اختراعه المتمثل في استغلال الجهد البشري في انتاج الطاقة. فكرة رسمها بالحساب والاستدلال الفيزيائي وبعث بها الى هيئات وطنية ودولية يطلب منها العون على تجسيدها ميدانيا. ويقول صاحب الاختراع الشاب أن مشروعه ينتج الطاقة عن طريق تحويل الطاقة الكامنة في جسم الإنسان وبالتالي فهي طاقة نظيفة، غير مكلفة ومستدامة. يأتي هذا في سياق البحث الدولي عن بدائل الطاقة الأحفورية وفي أجواء معاناة العالم من التلوث البيئي الذي أضر بالتوازن الإيكولوجي للأرض. فماذا يعني أن يفكر باحث جزائري بهذا المستوى؟ وما المطلوب عمله كي تتحول الخطابات السياسية الى أسلوب عمل لصالح الباحثين؟ * تجربة توم أديسون تعود من الجزائر * قد نكون مبالغين اذا شبهنا تجارب "أديسون" في اختراع الكهرباء بفكرة الشاب الجزائري الذي طور فكرة انتاج الطاقة من الطاقة الكامنة في جسم الانسان على مستوى تجاري وصناعي يوفر للدولة سيولة مالية معتبرة ومناصب شغل تعد بعدد السكان. ولكن لو عدنا الى أول عملية لإنتاج الكهرباء في العالم لأدركنا بأنها بدأت مجرد فكرة استهوت باحثا ثم تحولت الى تجارب متكررة لم تسلم من الفشل في البداية قبل أن تتحول الى اختراع بدل حياة الناس رأسا على عقب. وبين عصر توم أديسون وعصرنا أشياء مختلفة كثيرة ولكن بينهما ميزات متشابهة أيضا ، ومن وجوه التشابه بين العصرين حاجة العالم الى نمط جديد من الطاقة يتجاوز الأنماط التقليدية بسبب ما أفرزته تلك الأنماط من انعكاسات على البيئة من جهة وعلى ميزانيات الدول من جهة ثانية. وبالفعل، ازداد الحديث مؤخرا عن الطاقة المتجددة، ومست مقترحات قمة العشرين المنعقدة بواشنطن السبت الماضي بعض جوانب الملف الطاقوي. وتناولت المحادثات الجزائرية الأرجنتينية على هامش زيارة رئيسة الأرجنتين للجزائر وسط هذا الأسبوع التعاون في مجال انتاج الطاقة من المصدر النووي. كما تشهد الجزائر حاليا فعاليات أسبوع الطاقة وكان مسؤولون في وزارة الطاقة صرحوا باعتماد الجزائر برنامج للاستثمار الطاقوي في قطاع الكهرباء قيمته 29 مليار دولار على آفاق العام 2018. * أحاديث ونقاشات وبرامج وخطوط تمويل وتعاون دولي حول فكرة انتاج الطاقة وتطوير البدائل حولها تعطي لأفكار الجزائريين هواة الاختراع ومنهم باحثنا الشاب الذي بدأنا بالاشارة اليه هذا المقال قيمة عملية يجب أن تثمن عاليا وربما عادت تجارب توم أديسون في سياق جديد وفي بلد آخر اسمه الجزائر. * * غربة الباحثين * ليست هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها باحثون جزائريون عن اختراعات مهمة ولن تكون الأخيرة، وفي كل مرة يشهر باحث جزائري ابتكاره ويشهر معه معاناته في تسجيله وفي تجسيده وفي حمايته. وفي كل مرة يثني الخطاب الرسمي للدولة على جهود الباحثين والمتفوقين ولكن في كل مرة يصاب هؤلاء بخيبات أمل على صعد عدة وفي غالب الأحيان تطوى الأفكار المبتكرة كما تطوى الكتب من النسيان. وعندما تخرج السلطات في قطاع البحث العلمي على الناس بقوانين وهيئات وادارات منظمة لوظيفة البحث وتقوم تلك الادارات بتأسيس فرق ومراكز وتقوم تلك المراكز باقتراح المشاريع ورصد الميزانيات اللازمة لها ثم بعد ذلك لا أحد يعرف عنها شيئا ولا قيمة مضافة معلنة تكون قد قدمتها للاقتصاد الوطني، فإن ذلك يعبر عن ضعف في سياسة البحث العلمي لا تداويها الخطابات الرسمية مهما تواترت. * ونفس الشيء يقال عن تثمين أفكار الباحثين من أفراد جاليتنا في الخارج، أولئك الذين لا نسمع عنهم إلا عندما تثمن أعمالهم هيئات دولية حتى صار هم كل باحث أن يجد له آذانا صاغية في غير بلده. لقد حان الأوان كي يصير الابتكار في صلب اهتمامات الدولة وأن تقفز نسبة الانفاق على البحث من الدخل الوطني قفزة نوعية وأن تتولى الهيئات المختصة نشر نتائج الأبحاث على أوسع نطاق وأن يمكن الباحثون التطبيقيون من تسويق مشاريعهم اقتصاديا وتجاريا وأن تضمن الدولة براءات اختراع الباحثين وقبل هذا وذاك أن تستمر جلسات الانصات الى حملة المشاريع وألا يستثنى من ذلك أي صاحب فكرة واعدة بالابتكار. * * عن تجربة محاضن المؤسسات * إلى أين وصلت تجربة المحاضن التي من الطبيعي أن تجمع مؤسسات البحث العلمي إلى مؤسسات الإنتاج؟ تجربة نصت عليها قوانين الدولة وتجد صداها في تجارب الدول التي استطاعت أن تحول الأفكار الى مشاريع انتاج حقيقية. ولا تعدم الجزائر في هذا السياق توصيفا لدور مثل هذه المحاضن وأهميتها بالنسبة للدول الناشئة وتلك التي استثمرت طويلا في التعليم مثل الهند وماليزيا. ولا أحد يستطيع أن ينكر حاجة القطاع الانتاجي في الجزائر إلى الابتكار وخاصة ما تعلق بالقاعدة الصناعية الموروثة عن مرحلة السبعينات والتي لا زالت إلى اليوم تبحث عن سبل تأهيلها. * لقد استمعت إلى تصريح أخير للمسؤول الأول عن قطاع ترقية الاستثمار في الجزائر على هامش فعاليات أسبوع الطاقة المقام حاليا وفهمت منه أن أوراق النهوض بالقطاع الصناعي الجزائري كاملة وجاهزة إلا أن الأمر يقتضي مزيدا من الوقت لدراستها. ومعنى ذلك أن الوقت لا زال مبكرا كي نلمس ثمار سياسة الحكومة في هذا المجال. وفي انتظار ذلك، لا أحد يتمنى أن تضيع بين أيدينا فرص أخرى للنهوض بالاقتصاد الوطني أبطالها هذه المرة شباب باحثون من أمثال الطالب الذي بعث إلي بورقة تقنية عن فكرة انتاج الطاقة وتسويقها اعتبارا من الطاقة الكامنة في جسم الانسان.