منذ أن أذّن الرسول صلى الله عليه وسلم في الناس بالحج، وأتوه رجالا وعلى كل ضامر من كل فج عميق، والمؤمنون في كل زمان ومكان يشهدون منافع لهم ويذكرون اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من الأنعام ويأكلون منها ويطعمون البائس الفقير.. * ولكن عندنا ما صار الحج تعظيما لحرمات الله وإنما تعظيم لمؤديه، فمع أن الحج هو الركن الخامس في الإسلام إلا أننا نمتلك رسميا ديوانا وطنيا للحج والعمرة ولا نمتلك ديوانا وطنيا للصلاة أو الصيام، ونسمي شعبيا مؤدي الفريضة الخامسة بالحاج ولا نسمي مؤدي الركن الثاني أو الثالث أو الرابع بالمصلي أو الصائم أو المزكي، ونقيم الولائم على الحجيج ولا نفعلها مع بقية الأركان، حتى كدنا ننزع عن هذا الركن محتواه الأساسي وهو تعظيم شعائر الله التي هي من تقوى القلوب. وعندما يُعاد إلى أرض الوطن حجاج مصابون بأمراض عقلية وآخرون يؤدون الفريضة التي هي في الأصل لمن استطاع إليها سبيلا فقط بالدين أو بدفع الرشاوى والمحاباة، فمعنى ذلك أننا مازلنا بعيدين عن أن نجعل الحج رسالة للعالم، كما ارتضاها الخالق عندما قال "ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم".. أكيد أن الحج هو السياحة الوحيدة التي تجمع الناس من كل الأمصار ومن كل المستويات وأكيد أن غسل الذنوب في هذه الفريضة لا يضاهيها أي غسيل. وأكيد أن حلم العائلات الجزائرية هو رؤية ذويها ضمن قوافل المسافرين إلى جوار المصطفى.. لكن ما يحدث من تجاوزات لإرضاء النفس مقابل إغضاب الخالق مثل الزج بشيخ مريض نفسي في طائرة مسافرة إلى مكان بعيد هو تجاوز لا يليق بالباحث عن تعظيم شعائر الله التي هي من تقوى القلوب. * فرائض وأركان كثيرة أفقدناها روحها بممارساتنا، فالمساجد ملأى بالراكعين والسجد والرحمة غائبة عن القلوب، وشهر رمضان صار مخيفا بسبب كثرة الجرائم والمصائب، والحج الذي هو لمن استطاع إليه سبيلا، صارت كل الطرق اللاإسلامية تؤدي إليه حتى وإن تورط طبيب مختص في منح رجل معتوه شهادة طبية بيضاء حتى يسافر إلى أرض الله الحرام.. ومن الغرائب أن الرسول صلى الله عليه وسلم ابن مكة أدى الفريضة والعمرة مرة واحدة وعندنا هناك من صار يمتلك من الزيارة العشرات!!