في أحد البيوت المنزوية بحي اليتامى الشعبي بمدينة أولاد سيد الشيخ بالبيض، وقفت "الشروق اليومي" على معاناة عائلة بوراس العجيبة والمؤلمة في آن واحد.. معاناة دشن بدايتها الابن الكفيف عبد الرحمن صاحب ال 18 ربيعا. وجدنا عبد الرحمن يقود دراجته ليلا، فاستغربت مع مرافقي الأمر وسألته كيف يستطيع أن يسير بدراجة في الظلام الحالك وهو كفيف دون أن يصطدم بجدار أو ينحرف عن الطريق. وما إن سمعنا نتمتم حتى عرض علي زيارة عائلته واكتشاف أسرارها المريرة. بعد الاستئذان، استقبلني والده الطاهر، 67 سنة، بابتسامة تقاوم من ورائها أحزانا ما لبثت أن تختفي حينما بدأ يتحدث عن الواقع الدفين الذي تقاسمه الزوجة وأبناؤه الثمانية بعدما فقدت زوجته ثلاثة رضّع وسقط لها جنين رابع و... توقف عن الحديث برهة من الزمن استرجع فيها أنفاسه... ثم واصل الحديث عن ما أسماه "حياة الأموات" التي يقاسيها فلذات كبده بعدما كتبت لهم الحياة في واقع مرير، بداية فصله الثاني تبدأ مع المرض الذي لازمه طيلة حياته، فالطاهر الأب يعيش بكلية واحدة وشلل جزئي على مستوى رجليه ألزمه الفراش طيلة السنوات العشر الفارطة، وفوق كل هذا دخله الشهري لا يتعدى 5000 دج هي كل ما يتقاسمه أفراد عائلة غالبية أفرادها ذوي بنية فسيولوجية من نوع ألبينوز، وثلاثة من أبنائها مكفوفون بنسبة 100 بالمائة، عيسى 29 سنة ومحمد 28 سنة ومريم 24 سنة، والبقية ضعاف البصر وبدون نظارات، أما الزوجة فكان نصيبها من المرض عملية جراحية لنزع الكيس المائي. لقد تحولت هذه المعاناة مع مرور الزمن إلى تحد مع التفوق، حيث تحصل الابنان عيسى ومحمد على شهادة ليسانس تخصص علوم شرعية ليدخلا عالم البطالة شأنهم شأن غالبية خريجي الجامعات بولاية البيض، في حين مازال أخوهم الأكبر الهاشمي 31 سنة، يتابع دراسته بمعهد علم النفس بعدما تحصل على شهادة البكالوريا أحرار. أما بقية الإخوة وبشهادة أساتذتهم وأقرانهم فهم من المتفوقين في دراستهم بالرغم من أن دخل والدهم لا يوفر لهم الحد الأدنى من مستلزمات الدخول المدرسي، ولولا تدخل أصحاب القلوب الرحيمة لما وجد أحدهم قلم رصاص.