الأم حورية وأبناؤها يقتاتون على حسنات الجيران: هل من مسؤول يستمع؟؟ المتعارف بين الناس أن كلمة النجوم تطلق على درجة الخدمات التي تقدمها المؤسسات الفندقية وغيرها، كما تطلق النجومية على المشاهير، لكن أن تطلق مفردة النجوم على عجوز تنتمي إلى درجة البسطاء الذين إن عاشوا أو ماتوا لا يهمّ أمرهم بين الخلق فذلك حديث فيه نظر.. إنها عجوز ظلت طيلة حوالي نصف قرن ترعى 4 أولاد غير أسوياء إلى أن دخلت واحدة منهم المصحة العقلية ورحل آخر قبل عامين بسبب مرض عقلي. في بيت صغير لا يخضع إلى أي شرط ومعيار هندسيين تنبعث منه كل ألوان الروائح غير الطيبة وفوضى نشر الأفرشة والملابس وعلب الحليب والتبغ وبقايا خبز يابس تكدس في ركن وزاوية قاتمة وسط مدينة موزاية بغرب البليدة، تجتمع خالتي حورية، 74 سنة، كل يوم بولديها ياسين وجمال، لكن من دون حبيبتها "جميلة" - سمتها كذلك نسبة إلى المرأة الرمز و اللغز جميلة بوحيرد - إذ تفتقدها من فترة إلى أخرى لضرورة عيادتها بمصحة المرضى عقليا بمستشفى فرانتز فانون، أما نور الدين الذي أصيب بعجز عقلي منذ زمن فتبكيه صباح مساء لفقدانها إياه منذ عامين. فلقد كتب عليها أن ترزق من أب رحل عنها منذ أمد بأولاد غير أسوياء تاركا إياها بعد أن سلمها أمانة رعايتهم في غيبته، تكابد مصاعب الحياة في البحث عن لقمة عيش تسد بها جوع صغارها.. تخرج صباحا بعد أن توفر لهم فطور الصباح تجمعه من حسنات الناس التي تعتمد عليها في الطعام والملبس، لتعود إليهم في وقت متأخر من المساء حاملة إليهم بعض الطعام البارد وسجائر وتبغا لهما حتى تضمنهما إلى جنبها ولا تفتقدهما مثل شقيقهما نورالدين. تقول خالتي حورية ونحن نزورها إن مصابا نزل بأبنائها أفقدهم عقولهم وهم في ريعان شبابهم. وكانت البداية مع "جميلة "التي طلقها زوجها في الشهر الأول وهي في ال 20 من العمر، أصابتها صدمة الانفصال ما جعلها تعيش بقية حياتها وهي تشارف على الخمسين بين مصحة المرضى عقليا والمهدئات، لتنتقل المصيبة إلى نور الدين الذي تناول من دواء شقيقته الكبرى مما أفقده عقله هو الآخر، وبدأت العدوى في الانتشار بين البقية الذين تقول خالتي حورية، محاولة إخفاء دمع تشكل دونما إرادة منها، إن عينا أصابتها في أولادها الذكور الذين تباهت بهم وهم يلهون بين أترابهم في صغرهم وهو حالها منذ أكثر من 30 سنة، لكنها تحمد الله على ذلك وتقول في حال حزين وبحسرة أم فقدت عزيزا عليها "قولوا لنور الدين أن يعود إلى صدر أمه، أخبروه أنني في انتظاره لأُقبل جبينه وأضمه إلى صدري.." تقول تلك الكلمات ونحن على عتبة شبه باب لم تغلقه منذ 20 سنة مودعة إيانا وهي تلوح بيد وابتسامة بريئة وكأن ملاكا رسم فوق شفتيها تلك البسمة الحزينة بريشة الأطهار.