قرار وزارة العدل بتعريب الوثائق القضائية ليس جديدا، لكنه، على جرأته، بدا مفاجئا، والخوف كل الخوف أن يتسبب الغموض الذي أحاط به في إجهاضه كما أجهضت قبله الكثير من القرارات المصنفة ضمن خانة استرجاع الهوية وإعادة الاعتبار لها. * في البداية أعلن القرار بطريقة سرية وكأن الأمر يتعلق بنشاط ممنوع، أو مؤامرة دبرت بليل، فتعرف عليه المواطن عبر الصحافة من خلال عبارات ضبابية شهيرة على شاكلة "المصادر مطلعة" أو "المصادر العليمة" أو "المصادر المقربة"، مما يعطي الانطباع بأن واضعي القرار غير مقتنعين به، فأطبقوا عليه الصمت المحكم. * حالة الغموض التي أحيط بها إصدار القرار طالت أيضا كيفية التعاطي مع مصاريف الترجمة، التي يبدو أن المتقاضي هو الذي سيتحملها، مع الإشارة إلى أن الذين يلوحون اليوم بهذا المبرر بكاء على أطلال جيب المواطن الجزائري، لم يقيموا الدنيا ولم يقعدوها عندما انفجرت في نفس الجيب قنابل لا تبقي ولا تذر، كما حدث مع قسيمات السيارات التي تفوق قيمتها في أحسن الحالات قيمة رسوم ترجمة الوثائق القضائية بمرتين، أو الضريبة على السيارات الجديدة التي لا مجال للمقارنة بينها وبين قيمة نفس الرسوم. * هذه الحالة تطرح من حولها "تسونامي" من علامات الاستفهام والتعجب، حول الارتجالية والمراهقة التي تطال في كل مرة القرارات المتعلقة باسترجاع السيادة على الهوية، والتي عادة ما يعرضها إلى الإلغاء والتراجع، أو التنازل في أحسن الحالات، وليست بعيدة عنا تجارب، قانوني التعريب والأسرة وقرار منع استيراد الخمور، وغيرها من المبادرات التي ولدت مشوهة لأن أصحابها، وإن كانت نواياهم حسنة، إلا أنهم يعطون في كل مرة للخصوم السلاح الذي يضربون به في مقتل. * على المدافعين عن ثوابت الأمة والذائدين عن حياضها، أن يدركوا بأن ما يقومون به ليس إثما عليهم أن لا يجهروا به، أو عيبا عليهم أن يخفوه، أو عورة عليهم أن يستروها، وبأن خصومهم استثمروا ويستثمرون في ترددهم، كما يفعلون اليوم مع قرار تعريب الوثائق القضائية. فبعض الخجل يفعل بصاحبه ما لا يفعله العدو بعدوه.