يسري فودة رفقة مبعوث الشروق الى القاهرة التقيته قبل ثلاثة أيام في حفلة عشاء وسط القاهرة وسألته عن سر الغياب الغامض لبرنامج "سري للغاية" لفترة طويلة على قناة الجزيرة الفضائية رغم أنه كان واحدا من بين أشهر وأنجح البرامج التي جعلت من الجزيرة شيئا مذكورا.. * * فكان أن رد علي بأن الجواب سوف أعرفه خلال ساعات قليلة وما علي سوى أن أصبر، حاولت أن أحصل على الإجابة لكنه بدا مصرا على الصمت وفهمت أنه على وشك أن يفجر قنبلة إعلامية شديدة المفعول، وهو ما حدث فعلا أمس الأربعاء عندما أعلن كبير الصحفيين المحققين يسري فودة عن قرار استقالته رسميا من قناة الجزيرة، فقد نشر مقالا بجريدة "اليوم السابع" المصرية بعنوان: "القرار الصعب الذي كان لا بد من اتخاذه.. وداعا قناة الجزيرة"، وهو المقال الأول في سلسلة مقالات أسبوعية سيبدأ يسري في نشرها عبر نفس الصحيفة، التي يعد واحدا من مؤسسيها، ليشرح من خلال هذه المقالات كل الأسباب والدوافع التي جعلته يبتعد عن أضواء قناة الجزيرة بعد حوالي 35 حلقة من البرنامج الشهير "سري للغاية" قبل أن يختفي وتصبح أسباب اختفائه هي الأخرى سرية للغاية.. قرر أخيرا نفض الغبار عنها في مقالات ستصدر متتالية. * وقال يسري فودة في مقاله الإفتتاحي "وداعا قناة الجزيرة" أنه في كل مرة كان يوشك على اتخاذ هذا القرار كان سبب آخر يدفعه إلى التراجع في آخر لحظة، ولكنه أضاف: "اليوم بعد عامين من التأمل بعيدا عن زحام العمل وعن لفحات المغامرة وعن إغراءات الشاشة، أصل إلى نقطة من الصفاء الذهني والتكامل النفسي والراحة الجسدية تسمح لي باتخاذ القرار الصعب: أن أعلن من هذا المنبر انتهاء علاقتي بقناة الجزيرة متمنيا لأصدقائي وزملائي بها، هؤلاء فقط الصادقون المهنيون الذين يحترمون أنفسهم فيحترمهم الآخرون، كل تقدم وكل إبداع ما وسعتهم الظروف"، وفي جزء آخر من خطاب الوداع من الجزيرة طمأن يسرى المولعين ببرامجه وبطريقة عمله الفريدة في أنه لا يلقي خطبة تنحي من مهنة الصحافة، مؤكدا "أنه من يولد صحفيا يموت صحفيا"، ووعد بأنه سوف يعود للمهنة هذه المرة للعمل في إحدى القنوات الفضائية المصرية بالإضافة إلى عمله المعتاد ككاتب في صحيفة "اليوم السابع". * وكشف يسري فودة أنه قبل أن يتخذ هذا القرار الآن سبق له وأن عبر عن تحفظه علنا على أمور بعينها على الشاشة ووراء الشاشة.. "لبعضها علاقة بالإدارة ولبعضها علاقة بالمهنة ولبعضها الآخر علاقة بالسياسة".. صاحب الحلقات الشهيرة من برنامج "سري للغاية" مثل "حركة الماسونية، عاصفة اليورانيوم، أشباح وأرواح، الطريق إلى 11 سبتمبر، وكر الجواسيس، الولايات غير المتحدة، الجمرة الخبيثة..." وغيرها، كشف أنه استقال من الجزيرة مرتين في السابق، استقالته الأولى قدمها عام 2003 لرئيس مجلس الإدارة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، مؤكدا أن هذه الإستقالة الأولى رفضت بتدخل مباشر من أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ولكن استقالته الثانية التي قدمها كذلك لرئيس مجلس الإدارة تحولت إلى ما أسماه "استراحة محارب" حيث اتفق مع إدارة الجزيرة على أن لا ينضم إلى أي قناة أخرى على أن يتقبلوا منه أي قرار عندما تنتهي مدة "الإستراحة".. * ومن المنتظر أن يكشف يسري في الحلقات القادمة الجوانب الأخرى وبالتفصيل الأسباب التي دفعته إلى الخروج من الجزيرة وكذا عن أسرار سنوات عمله بالقناة، وكيف حاول البعض اتهامه بالعمل لصالح المخابرات الأمريكية تارة ولصالح القاعدة في مرات أخرى، وكيف استطاع يسري كذلك أن يتحول من مجرد صحفي يبحث عن الحقيقة إلى صحفي ينافس أجهزة المخابرات.