الفساد والمحسوبية واستغلال المال العام وتبديده والفعل المخل بالحياء والشذوذ الجنسي، كلها وجوه لعملة واحدة هي عفن الساسة -إلا من رحم ربي- وأمراض تمارس جهارا نهارا، ومع ذلك ورغم خطورتها تبقى طابوهات غير قابلة للكشف والإثارة، وربما سبب ذلك أن الواقف وراءها وممارسها هم أصحاب البدل الأنيقة. * عندما التقت ليلة أول الثلاثاء الكوميديا بنص جريء "غوتية" لحسين طالب، استطاع عباس محمد إسلام أن يبني رؤيته الإخراجية على مزيج بين ديكور ثابت هو بيت الراقصة، وحاصره بشريط الذاكرة الذي لا يتوقف ولا يرحم. * فعلا لم ترحم الذاكرة "غوتية" العاهرة فظلت أطياف خطاياها تلاحقها في كل مكان، ولم تستطع السنوات التي قضتها في الزنزانة أن تغسل الماضي، بل زادتها ترسخا لم يروِ غليله إلا القتل... مخطط "غوتية" في الانتقام جاء على مقاس "زرياط" و"طربوش" وهما مرشحان للانتخابات، ظنا أن غسيل المخ الذي مارساه على الشعب في تصوير شخصيهما أثناء الحملة الانتخابية كمترفعين ونزيهين سيثمر مناصب سياسية رفيعة. ولم يتوقعا مغادرة الراقصة التي طالما أذلتهما على سريرها وفي بيتها وأثناء رقصها وحتى وهي على ذمتهما "زوجة" في السجن. * المزاد الذي دخله الاثنان وتحكم فيه الخادم الشاذ جنسيا قال كل شيء، لأن كل شيء يهون من اجل تحقيق الأغراض الشخصية، هانت البرامج الاقتصادية والتنموية، هانت الأمانة ومال الشعب، وهان الوطن، وهانت السياسة الداخلية والخارجية، لأن كل سياسة وكل استراتيجية في الأخير، هي لباس للأطماع الشخصية بمقاس الأرباح الذاتية، وكيف لا والتوبة المؤقتة من اجل تلميع السمعة وتحقيق المجد لا تضر، والشر لا يضر فقد أضحى لسان حال أقوى الدول في العالم. * منيرة نوارة وقرمي جمال وفتحي كافي وتواتي سايح سمير وحمياني محمد هم أبطال كوميديا استفزت الحضور بجرأة طرحها ولو أن دور الشاذ جنسيا عرف في أحيان كثيرة مبالغة هي تحصيل حاصل لا شعوري لتجاوب الجمهور. * عصر "الواوا" والانحراف والميوعة والنفاق سجنه مراد بوشهير بمساعدة اليمني عبد المجيد في سينوغرافيا جمعت أهم رموز الانحطاط الأخلاقي من ملابس وخمر وتصرفات لا مسؤولة وغيرها. وحتى الصحافة كان لها مكان في العرض، وقد مثلها احد المتسلقين الذين قد يكتبون أي شيء مقابل المال. وفي إطار أنسنة المسرح تصلح مسرحية "غوتية" كأول عمل لهذه السنة، لتكون مرآة عاكسة لكل المجتمعات دون استثناء، بما أن الحال واحدة والنكسة واحدة.