في كل امتحان يكرم المرء أو يهان، وهي قاعدة علمية بالخصوص تسير عليها الأمم من دون استثناء.. لكن ما صرنا نلاحظه عندنا أن المرء "عند الامتحان يهان أو يهان"، أما الإكرام فهو مؤجل إلى زمن لا أحد يعلمه.. * فقد أعاد الزمن نفسه وظهرت نتائج البكالوريا وأسماء جديدة للمتفوقين وظهور عباقرة جدد أحرزوا على نتائج تعجيزية، وسيتم كالعادة تكريمهم من رئيس الجمهورية لينتقلوا بعد ذلك إلى الجامعة، حيث من المفروض أن يكرّموا التكريم الحقيقي بعد ما بذلوه من جهد بتوفير كل الوسائل التي يواصلون عبرها تألقهم لخدمة البلاد والعباد.. لأننا دائما نردد أن البقاء في القمة أصعب من بلوغ هته القمة، فإذا كان الطالب قد اجتهد بمفرده خلال الأطوار الابتدائية والمتوسطة والثانوية بمساعدة والديه وأساتذته فإن بلوغه المركز الأول في امتحان البكالوريا من المفروض أن يجعله "ثروة قومية" للأمة بأكملها تعمل لأجل المحافظة عليه حتى تستفيد من مردوده في مرحلة الجني العلمي وهو أحسن تكريم لطالب أفنى عمره الوردي في الجد والاجتهاد.. وإذا كنا نعيب على عامة الناس أن يحفظوا رقم حذاء "زياني أو صايفي" ونعيب عليهم أن يرددوا أغاني "رضا الطلياني أو كادار الجابوني" عن ظهر قلب.. ولا يعلمون إسما لمخترع جزائري أو متفوق حطم كل أرقام الامتياز، فإن العيب الكبير أن لا نقدم لهذا العالم الناشئ ما يواصل به تألقه ولو في الظل بعيدا عن أنظار الناس.. * مازلنا في كل موعد امتحان نقدم أرقام الناجحين والتي أوصلت الجزائر لأن تكون من الدول الجامعية المليونية النادرة في العالم والتي تمتلك أزيد عن ستين جامعة، ولكنها أرقام نجاح وتفوق تتوقف عند معناها الرقمي دون المعنوي.. حيث تذوب هاته الكفاءات في جامعة ساهمنا جميعا في جعلها مرتعا لطوابير النقل والأكل وخاصة لانتظار شهادة جامعية خالية تماما من "رائحة العرق".. * أين هم الأوائل العباقرة الذين أكرمهم مختلف الرؤساء؟ سؤال من المفروض أن يكون له جواب واحد وهو وجودهم في دواليب التسيير حتى يكون لهذه التكريمات هدف سامي يجعل من أحد نتائج الامتحان الإكرام الحقيقي وليس الإهانة فقط. * ليس مشكلة أن نملأ الدنيا فرحا عندما نحقق نصرا كرويا، وليس مشكلة أن نوفر لهؤلاء المبدعين رياضيا وسائل التحضير في الخارج ونغدق عليهم بمنح الفوز "المليارية"، وليس مشكلة أن نملأ مدننا بالمهرجانات الثقافية ونستقبل المبدعين من القارات الخمس.. لكن المشكلة الكبرى أن نترك هؤلاء المبدعين العباقرة من المتمدرسين يمرّوا من هنا نحو المجهول.