شاءت رزنامة الجولة الرابعة من إقصائيات كأس العالم 2010 في مجموعتها الثالثة الإفريقية أن تصادف أفضل الشهور عند الله وعند المسلمين من جزائريين ومصريين.. وشاءت أن تكون من أحسم الجولات على الإطلاق وقد تحدد بشكل جلي اسم المرشح الأول للظفر بتذكرة السفر إلى جنوب إفريقيا.. في يومين رمضانيين في الخامس من شهر سبتمبر بالنسبة لمنتخب مصر المسافر إلى كيغالي عاصمة رواندا، وفي السادس من سبتمبر الذي يستقبل فيه المنتخب الجزائري نظيره الزامبي.. وهما مبارتين في منتهى الصعوبة بالنسبة للمنتخبين المسلمين لأن رواندا لا يوجد بها أي لاعب مسلم ولا يتجاوز عدد المسلمين في هذا البلد 8 بالمئة من بين 8 ملايين ساكن.. كما أن زامبيا أيضا لا يوجد بها من يؤدي فرض الصيام وعدد المسلمين في زامبيا لا يتعدى نسبة 5 بالمئة من مجموع السكان المقدرين بحوالي 10 ملايين. المصريون في صيف رواندا وفي توقيت حار هل يقبل الحاج "أبوتريكة" بالإفطار؟ في شهر سبتمبر وعلى الساعة الثالثة وفي بلد لم يسبق للاعبي المنتخب المصري أن زاروه وفي شهر رمضان.. هذا ما يجعل مهمة الفراعنة صعبة وربما مستحيلة حسب بعض المصريين ويجعلها أيضا ممكنة حسب آخرين لأنها توفر لرفقاء عصام الحضري فرصة التحدي لأجل البرهنة على أنهم من طينة الكبار وفريق التحديات كما يسمون أنفسهم.. ومعلوم أن رواندا تتميز في الأشهر الأربعة بجو جاف من جوان إلى سبتمبر مما يعني أن درجة الحرارة في توقيت المباراة لن يقل عن الثلاثين، يضاف إليها الارتفاع عن سطح البحر وهو ما يمثل العائق الأهم بالنسبة لمنتخب مصر الذي يدرك رغم تواضع لاعبي رواندا أن هذا المنتخب سحق على أرضه المنتخب المغربي وتعادل سلبا أمام الجزائر ومهمة المصريين لن تكون من أجل العودة بالتعادل وإنما من أجل الفوز وبفارق مريح أيضا لأن تفكيرهم قد يجرّهم نحو إمكانية تسجيل الجزائر لفارق كبير أمام زامبيا وخاصة أمام رواندا.. ولأجل تحقيق هذا الإنجاز الكبير للمصريين قبل سفريتهم إلى زامبيا بدأ البحث عن فتوى والأزهر الشريف سيعطي مع بداية شهر رمضان فتواه للمنتخب المصري ومن المحتمل أن يمنح الضوء الأخضر للفراعنة للإفطار لاعتبارات كثيرة أهمها كونهم في سفر »ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر« كما جاء في سورة البقرة، ولكن المشكلة أن في منتخب مصر الحالي عدد من الشيوخ المقتدرين في الشريعة ومنهم بالخصوص الشيخ "محمد أبوتريكة" الذي سبق له وأن زار الأدغال الإفريقية مع نادي الأهلي في رمضان ورفض الإفطار وأبان عن مستوى أقوى من زملائه المفطرين.. ويدفع الكثيرون المنتخب المصري للإفطار باعتباره في مهمة وطنية وعمل شاق الهدف منه رفع راية الوطن الذي هو وطن إسلامي.. ويخشى آخرون حدوث فتنة داخل المنتخب المصري كما حدثت لدى منتخبات عديدة بسبب انقسام اللاعبين ما بين صائم ومفطر وهو ما حدث للمنتخب الوطني الجزائري في لقائه في مونديال إسبانيا عام 1982 خلال مباراته ضد الشيلي التي فاز فيها بثلاثة أهداف مقابل هدفين سجل خلالها الصائم التاج بن ساولة هدفا واحدا والصائم صالح عصاد هدفين ولم يسجل المفطرون في تلك المباراة أي هدف ولكن قلب الدفاع الصائم محمود قندوز أنهكه الصيام في الشوط الثاني وبسبب إرهاقه تلقى الحارس سرباح هدفين من لاعبين خفيفين هما "موسكوزو وياناز".. مع الإشارة إلى أن مباراتي ألمانيا والنمسا لعبتا قبل رمضان. ومن العبث مهما كان اعتبار الصيام غير مؤثر على أداء اللاعبين الذين يدركون صعوبة المباريات رغم أن "للتحدي" دور آخر في تحويل الأزمة إلى همّة وهو ما بدا يتحدث عنه أشبال الحاج حسن شحاتة. الجزائريون في سهرة رمضانية وسعدان يعتبرها المباراة الأصعب بسبب رمضان وفي المقابل، يستضيف المنتخب الجزائري ضيفه زامبيا في سهرة رمضانية يخطئ من يظن أن الصيام لن يؤثر فيها على اللاعبين، وكان المدرب رابح سعدان قد تحدث قبل سفرية زامبيا بأن أصعب مواجهة هي التي تجري ضد زامبيا في رمضان لأن المقابلة لا تجري في بداية رمضان حيث يكون بدن اللاعب مازال قويا ولا في آخر رمضان حيث يكون بدنه الرياضي قد تعوّد على اللعب في رمضان وإنما في منتصفه وهو أصعب امتحان لبدن الرياضي عموما.. لكن المؤكد أن اللعب ليلا بعد أكثر من ساعتين على الإفطار أحسن من اللعب نهارا.. وسبق للجزائر أن احتضنت مباريات كبيرة في سهرات رمضان ولا أحد ينساها ومنها تألق شبيبة القبائل في سهرة رمضانية وإحرازها كأس الكاف أمام النادي الإسماعيلي المصري، ومن حسن حظ الجزائر أن رمضان منح منتخبنا لقاء على أرضه وليس في بلد إفريقي حار خاصة أن سبتمبر في زامبيا هو أحرّ الشهور على الإطلاق. ولم نجد من اللاعبين الجزائريين الحاليين من تخوف من تأثير الصيام عليهم لأن تحضيراتهم ستكون ليلا مع موعد المواجهة، والمتخوّف الوحيد هو المدرب رابح سعدان.. خاصة أن المواجهة مصيرية وستأتي بعد 29 ساعة من التعرف على نتيجة مصر في كيغالي وقد يصبح الفوز بها معناه الهروب عن مصر وعن زامبيا بست نقاط وهو ما يمثل ضغطا على اللاعبين الجزائريين مهما كانت نتيجة كيغالي.. ومعلوم أن كل اللاعبين الجزائريين المترفين يؤدون فريضة الصيام من دون استثناء، ولا أحد منهم يريد إصدار فتوى الإفطار لأن المباراة ستجري ليلا وبالتأكيد بعد صلاة التراويح في حدود العاشرة من يوم الأحد كما طالب بذلك الزامبيون ولكن المنتخب جهّز طبيبا خاصا سيتكفل بتحضير برنامج رمضاني وأيضا فطورا خاصا لا يؤثر على حركة اللاعبين.. ستون ألف صائم يحوّلون ملعب 5 جويلية إلى أكبر مطعم في العالم هل يكفي ملعب 5 جويلية لاحتضان عشاق الخضر؟ لا أحد يجيب بنعم، والذي يريد أن يتابع المباراة عليه الدخول قبل الإفطار والتضحية بالإفطار العائلي، وهو ما يعني أن الصائمين سيدخلون بأطنان من الاطعمة وستتحوّل مدرجات ملعب 5 جويلية إلى مطعم ضخم بل سيكون أكبر مطعم في العالم وتصوير الجمهور في هاته اللحظة سيكون مشهدا طريفا جدا.. ولأن المواجهة سيحضرها الجمهور من كل أرجاء الوطن فإن البوراك العاصمي والبقلاوة القسنطينية والحريرة العاصمية ستقدم مشاهد رائعة وثقافة متنوعة لان الاجواء تكون اخوية مع تالق المنتخب الوطني وتواجده في المركز الاول في مجموعته.. على امل أن لا تكون في الاكياس التي يدخلها المناصرون هذه المرة الشماريخ التي تهدد منتخبنا بالإقصاء من المنافسة.. بعض المناصرين بدأ في التفكير في كيفية المحافضة على سخونة الشربة التي يدخلها معه إلى الملعب وايضا على برودة الماء في سهرة حارة مع بداية سبتمبر حيث لن تنزل درجة الحرارة عادة عن الثلاثين مئوية.. وفي حالة الفوز فإن السهرة هذه المرة بالنسبة للجزائريين ستتواصل إلى موعد السحور حيث تجري المباراة قبل الدخول الاجتماعي بخمسة أيام. مازال موعد سبتمبر بعيد، ولكن التفكير فيه بدأ من الآن لأن المنتخب المصري مثله مثل المنتخب الجزائري لن يواجه هذه المرة المنافس فقط وإنما أيضا العياء الذي يعاني منه اللاعبون بسبب إرهاق الصيام.