ماذا يعني أن ينزل "الشيخ" ولد عباس وهو أكبر الوزراء الجزائريين سنا إلى الأسواق في حملة تفتيشية لمراقبة الأسواق؟ وهل بإمكان هذا "الشيخ الدكتور" أن يراقب في بضعة أيام أسعار نصف مليون تاجر؟ وهل الأسعار ملتهبة فقط في أسواق العاصمة وبالتحديد سوق باب الواد؟ وكيف سيعاقب تجارا ويتناسى مئات الآلاف من التجار الذين ينشطون في كل الجزائر؟ * * وهل الفقراء الذين قال وزير التضامن أنه خرج للأسواق لحمايتهم موجودون فقط حوالي سوق باب الواد؟ وهل الأسعار ملتهبة فقط في أسواق الخضر والفواكه وليس في ضروريات أخرى مثل الدواء وأسعار الكراء والماء والكهرباء؟ * وهل الفقراء الجزائريون لا يعيشون سوى شهر واحد هو رمضان حتى ينزل الوزير في هذا الشهر و"يصوم" في بقية الشهور؟ * نزول الراعي لتفقد أحوال رعيته من السنن الدينية والدنيوية التي سارت عليها الأمم المتطورة في كل الأصقاع والأزمان.. ولكن التفقد الآني الذي ترافقه البروتوكولات وعدسات الإعلام المرئي الذي يجعل التاجر يعلم أكثر من الوزير مكان وزمن تفتيشه، هو في حد ذاته يحتاج إلى مراقبة وتفتيش حتى لا يتحول التحرك لفك بعض الأزمات إلى أزمة أداء من السلطة نفسها. * الشيخ ولد عباس وكل الوزراء يعلمون أن التضخم بلغ مداه في الأشهر الأخيرة، فسائق السيارة يشتكي غلاء البنزين والقسيمة والتأمين، والسبب هو الحكومة نفسها.. وطابور منتظري السكن الإجتماعي أو الريفي أو التساهمي أو الفاخر يشتكون غلاء مواد البناء من حديد وإسمنت، والبطال الحالم بمنصب شغل ينسف عن مخيلته وساوس الحرقة والانتحار يشتكي من المحسوبية التي يفتقدها والرشوة التي يعجز عن دفعها.. ومع ذلك لا تستطيع الحكومة مراقبة ذلك. والدكتور ولد عباس يعلم أن الفقير الذي قال أنه خرج للدفاع عنه إنما هو البطال الذي سدّت وزارة العمل الأبواب في وجهه، والفقير هو المتشرد من غير مأوى الذي سدّت وزارة السكن الباب في وجهه، والفقير هو البائس العاجز عن شراء الدواء بعد أن سدت وزارة الصحة الباب في وجهه، وربما الفقير أو على الأقل البعض من الفقراء الذين يدافع الوزير عنهم بخرجته إلى بعض أسواق العاصمة هم من سدت وزارة التضامن نفسها الباب في وجوههم، فالمشكلة ليست في هاته الأسواق التي ناطحت فيها أسعار الخضر السحاب وإنما في غياب القانون الصارم الذي ينزل يوميا ليقبع مع كل التجار لا يفارقهم مثل ظلهم ويحاسبهم ويقمعهم دون تدخل أي كان من المسؤولين وقد يكونوا وزراء، لأن التاجر يعيش العمر كله وزيارة الوزير أو أي مسؤول إن تحققت لن تزيد عن بعض ثوان.. * عندما سئلت السيدة عائشة عن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم إختصرت سيرته في أنه كان قرآنا يمشي بين الناس.. فمتى تسير القوانين عندنا بين الناس وفي الشارع وفي الأسواق بدلا من أن يسير عمال قمع الغش ومراقبة الأسعار وحتى الوزراء في الأسواق لمعاقبة تاجر من مئات الآلاف من التجار الذين عاثوا في لقمة العيش فسادا؟