مرّت سنتان، وهاهي السنة الثالثة تنصرم أشهرها الواحد بعد الآخر، في هدوء وصمت وإصرار.
سنتان ويزيد تمر على ميلاد الجاحظية، واحدة من مئات إن لم أقل الآلاف من الجمعيات الثقافية وشبه الثقافية التي ولدت وتولد كل يوم متروكة لأمرها، وكما لو أنها أطفال العالم (...)
لست أدري كيف كان موتهم، وكيف سيكون موتكم أنتم، أما موتي أنا فقد كان أعجوبة الأعاجيب··· فيلم خيالي من أفلام هيتشكوك، أو من أفلام العلم المستقبلي·كنا ثلاثة أطراف في العملية، الموت، أنا، الناس·الموت، يجلس عند رأسي حائرا فيما سيفعل، فقد نفذ أمرا اكتشف (...)
تنشر "الشروق" هذا المقال الجميل لكاتبنا الكبير الراحل الطاهر وطار، رحمه الله، وهو من بين آخر ما كتب، حتى أن عددا محدودا جدا من المقربين تمكنوا من قراءته، وهو يقترح قراءة متميزة للأزمة بين مصر والجزائر، فقد كتبه في أواخر شهر جانفي الماضي، أي بعد (...)
الحلقة الأخيرة
لن أرهقكم بغناء كلام لا تفهمونه، وسأكتف بتجسيد المعنى ب "القصبة" رفقة زملائي، وبالحركات التعبيرية للراقصة المشهورة وردة، التي عادت إلى الفن سالمة معافاة، رغم أنف الأعداء الجبناء.
*
هذه التجربة أيها السادة والسيدات مهداة للسيد مدير (...)
- السيد المدير، زائر يود رؤيتك.
*
- من يكون؟
*
- فنان. رئيس فرقة بلدية المضاحيك.
*
- ليدخل.
*
أغلقت بحراوية الباب خلفها، بعد أن أدخلت الزائر.. ظل الرجلان يتأملان بعضهما لحظات غير قصيرة.
*
"بالزي الرسمي كأي مدير متشبث بمنصبه، بذلة رمادية، قميص ضارب (...)
عندما يقع ميتا أرتمي عليه، أغمره بالقبل وبالدموع، إلى أن يأخذني النوم. لكنه يطاردنا، ويأبى أن يموت. أبي العزيز.
*
المسألة بيني وبينه. تصفية حساب.
*
أتمت جملتها الأخيرة بحنق وانفعال، ونهضت واقفة:
*
- أستسمحك سيدي في الانصراف
*
- اطلبي لي المنشط زينو (...)
انصرف الأمين ما أن تلقى الأمر بذلك، حامدا الله على السلامة.
*
قام أنف السيد الكبير بجولته، نافثا سيلا من دخان السيغار.
*
- قيل لي إن الفودكا أفضل للصحة من الويسكي؟
*
فوجئ المدير بالسؤال.. تردد قليلا ثم تمتم.. ربما لأنها مقطرة.. لكن تتطلب الأكل (...)
تجلس مع من يستعمل الفرنسية، ولو أنه لا يتقن إلا النزر اليسير منها، فلا أمثلة، ولا تشبيهات ولا مصادر أو مراجع، إلا من الفرنسية، حتى الوحدة النقدية للبلاد، لا تذكر إلا نادرا، فكل قيمة مالية، إنما هي بالفرنك، حتى إذا ما ذكرت أمام أحدهم الدولار، فسيصرفه (...)
يقيم وحده في الزاوية، حيث يأتيه أكله وشرابه، من عند الله، كما يقولون، وحيث تسمع قهقهات نساء، عنده في الليل، يجمع الجيران، على أنها لجنيات. وهناك من قالت إنها رأت بأم عينها، أنوارا ملونة، في شكل نساء، تلتحف باللون الوردي، تدخل وتخرج من الجدار، (...)
كلفوه بالثقافة، السيد الكبير، يريد الفلكلور، وليس سوى الفلكلور باعتباره ثقافة الثورة، كما يقول.
*
*
إنني لا أرى لي عملا لا في هذه الولاية ولا في غيرها.
*
وسي زينو لانترنات، ليس في يده ما يمنحه، سوى تطميع الطماعين، وإغراء الضعفاء، وتخويف، الآثمين. (...)
المدير الجديد أراحها، فقد أنشأ في جناح من المديرية ما يشبه مدرسة، كلفها بها، واستحضر كل كاتبات الولاية، وحلت الإشكالية في أقل من شهر.
*
تزوجت من أحد المديرين، ضرة، على زوجة، لها سبعة أطفال، وقامت بدور الزوجة المثالية كما ينبغي، إلا أن المدير، ما أن (...)
سرعان، ما انتشرت الحادثة، واتخذت روايات مختلفة.
*
من قائل، إن السيد الكبير، اكتشف ثغرة في التسيير المالي للمديرية، متناسيا، أن المديرية مستقلة ماليا، وأنه لا دخل للولاية، في الموضوع. وإنما المحاسبة تتم من طرف مؤسسات مختصة.
*
من قائل إن شكوى بلغته، (...)
لم تجيء الدعوة يومها لا من السكرتيرة، ولا من الأمين العام، أو من مدير الديوان، إنما وللغرابة، من مسئول الحرس الخاص للسيد الكبير. تركه ينتظر ما يزيد عن عشرين دقيقة في الرواق الفاصل بين قاعة الاستقبال وبين المكتب.
*
وعندما يئس، وامتلأ بالملل، أذنت له (...)
ترأس الاجتماع السيد الأمين العام، نيابة عن السيد الكبير، وكان الموضوع، الزيارة المرتقبة للسيد وزير الصيد البحري، ولم يغب سوى مدير البيئة وحماية المحيط، فقد كان في رحلة للعاصمة حيث دعي من طرف وزارته.
*
حيّ السيد الأمين العام، الجميع وسأل عن أحوالهم (...)
يتجند التلفزيون، يتجند الأمريكان والفرنسيس، يهب الصحافيون والشعراء واليهود والفقهاء، في عملية حضارية كبرى، يطلقون عليها، نعوتا عديدة، مثل اجتثاث الإرهاب، وانتشال الإسلام من السياسة. والتداول على السلطة بالديمقراطية التي يجب أن تكون موصوفة (...)
تماما مثل تلكم الحيوانات، التي تغيّر، لون جلدها تبعا لطبيعة الخطر الذي يتهددها. ليس نفاقا، وليس خوفا، إنما، استجابة طبيعية، لوضعية قامت، منذ ملايين السنين.
*
*
مجرد آنية، تستوعب، رزمة معينة من رزم القيم المعدة، والأوامر المعطاة. وترفض كل ما له صلة (...)
جاؤوا في صف طويل، يسلمون عليه الواحد تلو الآخر، قائلين إنهم زملاؤه، وأنهم كلهم، والحمد لله عرائس. يمد الواحد منهم يده، مصافحا، وما أن تلتقي الكفان، حتى يحرك إصبعه الوسطى، حركة قبيحة، واضحة. ويترنح في غنج. يذهب نصفه الأعلى يمينا، وتذهب فخذاه وركبتاه (...)
الله أعلم. كانت الظروف شاقة، نهرب من زنقة مظلمة لأخرى، ومن شاطئ مهجور لآخر، وأنتم تتعقبوننا بلا هوادة. لا أعتقد أنه قرار جماعي ولو أنني أشتم منه رائحة مواقف وتوجهات سي بن زين.
*
*
الله أعلم. كانت الظروف شاقة، نهرب من زنقة مظلمة لأخرى، ومن شاطئ مهجور (...)
كان قد أعد خطة لاختطاف أحد العقداء المهمين في وزارة الدفاع، ترصده في سكنه البحري، بالجميلة، عدة أسابيع، عرف الشيء الكثير عن تحركاته، وتحركات زوجته الألمانية، وأمها.
*
كانت المنطقة ساحة كبيرة، خالية من السكان، فيلاتها الجميلة، انتزعت منها النوافذ (...)
هل تعرف ما قاله الشيخ بورقعة: الشفة بلا سواك تحمار والعين بلا كحل سودة... الرقبة كاس بلار والقامة نخلة مقدودة. هذا هو الشعر الذي يلزمنا.؟ هل تعرف كيف تحمر الشفة بدون سواك؟
*
قال لي أحدهم وهو من أصحاب المحنة أيضا، عض إصبعك، وسترى، فلم أفهمه (...)
حمل عدة دواوين وألقى بها بعيدا. وقف. ارتمى في حضنها. انفجر باكيا.
*
احتضنته. ضمت رأسه إلى صدرها برفق وحنان، كما تفعل مع مريم.
*
الكارثة حلت يا فجرية. حلت. فقدت المذاق. الشعر صار مجرد كلام.
*
كان يجهش، وكانت تضمه أكثر، متذكرة نفس الحالة التي حصلت بعد (...)
كلمة الصحافي مثلا، مرتبطة بمعنى التغطية. كما أن مفردة التغطية ترتبط بالصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية. كلمة قام، مرتبطة بالمسؤول، وبصفة خاصة، بالمسؤول الأول. فما أن تسمع، حتى ينصرف الذهن إلى: بزيارة، بتفقد. بتدشين... كذلك الأمر بالنسبة للمفردات: (...)
ثار في زوجته، عندما سمع بكاء ابنته، في الغرفة المجاورة، قلت لك مائة مرة، لا أريد أن أسمعها تبكي. ارضعيها أو اخنقيها أو ارميها من الشرفة.
*
سأهج من هذا البيت.
*
ما بك يا رجل؟ كل الأطفال يبكون. لقد انتهيت من إرضاعها للتو.
*
قالت ثم أسرعت نحو مريم، (...)
اسمع. يكذب من يصف الشعر بغير البركان. ينفجر، ثم يخبو. قد يعاود النفثان، من حين لآخر، ولكن يفقد في كل حال، نفسه الأول.
*
*
- تقول؟
*
إنني لم أعد أستسيغ ما يسمى بالشعر.. تصور أن أحدهم يطلب رطلا من البكارة.
*
- هأهأ.. صلاح عبد الصبور.. أعطوه عشرة (...)
طرح السيد المدير على نفسه أسئلة عديدة ومختلفة، تؤدي كلها، إلى محاولة معرفة، أصول الكارثة وتدرجها عبر الزمن، وتوصل إلى شبه وفاق بينه وبين نفسه، عندما استقر رأيه على أن الإدارة والتسيير، والمسؤولية بصفة عامة، إن لم يسلم المرء بأنها تقتل المواهب، كحب (...)