بعد تسلم مهامه وزيرا للرياضة..إنجازات تمت وتحديات تنتظر وليد صادي    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    ""عبده وسنية" في عرض عالمي أول في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ..فيلم صامت بالأبيض والأسود ضمن برنامج روائع عربية    إسرائيل تعتقل 270 طفلا فلسطينيا بسجونها..استشهاد 16 فلسطينيا بغارات إسرائيلية    صواريخ أميركية بعيدة المدى داخل روسيا.. إردوغان: التطورات قد تدفع بالمنطقة والعالم إلى شفا حرب كبرى    الأسبوع الاوروبي للهيدروجين ببروكسل: سوناطراك تبحث فرص الشراكة الجزائرية-الألمانية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء اليمين للمديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 43985 شهيدا و 104092 جريحا    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بغرداية : دور الجامعة في تطوير التنمية الإقتصادية    سبر آراء "وأج" : قائمة الرياضيين المقترحين لجائزة ابراهيم دحماني لطبعة 2024    عطاف يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره الايراني    ميناء وهران: تسجيل أكثر من 8 ملايين طن من البضائع خلال الأشهر ال9 الاولى من العام الجاري    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    ما هي أولويات ترامب داخلياً وخارجياً؟    عرقاب يستعرض المحاور الاستراتيجية للقطاع    إعادة تأهيل وصيانة وتجديد منشآت الخطوط السكة الحديدية    أمن دائرة بابار توقيف 03 أشخاص تورطوا في سرقة    استفادة نحو 20 إطارا من تكوين    إشادة بالحركية التنموية في شتّى القطاعات    مجالس عزاء تتحوّل إلى شبه ولائم    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    خدمة الوطن.. وتجسيد برنامج الرئيس    توقيع اتفاقيات شراكة مع مؤسسات وهيئات    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    المواطن والحركة الإدارية الأخيرة..؟!    على مجلس الأمن فرض احترام قراراته المتعلقة بالشرق الأوسط    الجزائر تضيءُ الزنازينَ في فلسطين    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    "مجموعة العشرين" تدعم وقفا لإطلاق النار في غزة ولبنان    قائد القوات البحرية يشرف على تفتيش الغراب "الفاتح"    10 آلاف مشروع استثماري وربع مليون منصب شغل    هدفنا دوما رفع الراية الوطنية في المحافل الدولية    قمة مثيرة بين المولودية وبلوزداد بذكريات اللقب    إدارة سانت ترودن تسعى للإبقاء على براهيمي    الإطاحة بعصابة تروج المخدرات    وفاة شخص في حادث مرور بمازونة    "جرائم الاستعمار الفرنسي" في ندوتين بسكيكدة    الدرك يوقف 17 منظما للهجرة السرية    تطبيق مبتكر يحمي المعطيات في الفضاء الأزرق    امرأتان ضمن شبكة تحترف السرقة    الدكتور فني يبرز الأدب العالمي والثورة    من وحي الورد ومن ملامح الوجه الحسن    مواصلة الجهود السابقة وسعى لتطوير القطاع    الوقاية للتعايش مع المرض والتجاهل خطر أكبر    سيفي غريب يستلم مهامه كوزير للصناعة    زهير بللو يتسلم مهامه كوزير للثقافة والفنون    وزير الصحة يشارك بالدوحة في أشغال القمة ال7 للمؤتمر العالمي للابتكار في الرعاية الصحية    التبليغ عن المواد الصيدلانية التي تشهد ندرة في السوق    المناعة الطبيعية أحسن دواء لنزلات البرد    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخوف الثقافي
نشر في الشروق اليومي يوم 14 - 10 - 2009

أتساءل وأنا أعود من بروكسل، بعد المشاركة في ندوة نظمتها اللجنة الأوروبية يوم 12 أكتوبر الجاري خصصت لمناقشة موضوع حساس هو: "نحو إستراتيجية للثقافة في منطقة البحر الأبيض المتوسط"، ماذا يمكننا أن أستخلص من هذا النقاش الذي دام يوما كاملا، شارك فيه خبراء من جميع دول الجنوب ودول البلقان وبعض الهيئات الرسمية والمنظمات غير الحكومية والذي اتخذ له قاعدة نقاش "ورقة ميدانية" أعدت عن الواقع الثقافي في جنوب المتوسط؟
*
وفي هذه الورقة أسوق أهم الأفكار التي طرحتها في مداخلتي وتعقيباتي:
*
يبدو لي أن الغرب، وحتى الآن، على اختلاف فلسفاته وسياساته، لم يستطع أن يتخلص من "مصائب" نظرته "الموسمية" للجنوب، الذي هو شريك يقاسمه الماء والبحيرة والحروب والصراعات واللغات والذاكرة والسلام والبشر والرموزيات وأشياء أخرى.
*
1- في البدء ومع بداية القرن الثامن عشر كانت نظرة الغرب إلينا، كما تحفظها النصوص الأدبية واللوحات التشكيلية والرسائل العسكرية وكتب الرحلات، عبارة عن نظرة "إكزوتيكية" (إغرابية)، ترافقت هذه الحالة الذهنية والثقافية والسياسية مع التحضير للحملات الاستعمارية التقليدية في العالم العربي وإفريقيا. إذ كان الغربي لا يرى في الإنسان الجنوبي سوى "قطعة" من قطع المتاحف الميتة، المتاحف القبور. فالإنسان الجنوبي في منظور هذه العين الإكزوتيكية ينتمي إلى "شيء" أو "فصيلة" في طريقها إلى الانقراض.
*
... وكان الخوف.
*
2 بعد الاستقلالات الوطنية التي حصلت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي من خلال حروب تحريرية كانت في طليعتها الحربان التحريريتان الجزائرية والفيتنامية، لم تتطور نظرة الغرب إلينا كثيرا، لقد انتقلت من حالة "إكزوتيكية" "متحفية" إلى حالة "سياحية" "إمتاعية"، وهي النظرة التي رافقها سلوك كانت ولا تزال نتائجه وخيمة، على الإنسان وعلى الطبيعة، فقد حصل كثير من التخريب، تخريب الإنسان عن طريق (السياحة الجنسية) وتخريب الطبيعة من خلال نهب الثروات التاريخية التي تشهد على عراقة حضارات "الجنوب".
*
*
... وتراكم الخوف.
*
*
3 مع العولمة التي دعا إليها هذا الغرب نفسه وأسس لها، وعلى الرغم من الانفتاح الكلي للحدود أمام المال بكل أشكاله ومصادره والشركات العابرة للقارات الناهبة لخيرات الشعوب، وعلى الرغم من تغير فلسفة الجغرافيا وانمحاء الحدود التقليدية، إلا أن قيودا كبيرة فرضت على حركات بشر الجنوب في اتجاه الشمال، لقد ظل الجنوب مصدرا لخوف يسكن بطن الشمال. وقد بدا القرن الجديد الذي عبرنا عشر سنوات منه هو قرن "الخوف" بامتياز. ولعل كل ما ينظم الآن مما يطلق عليه طورا ب "حوار الحضارات" وطورا آخر ب "حوار الديانات"، على نبل الفكرة وسموها، كل ذلك ناتج عن تفشي ثقافة خوف "الشمال" وليس نابعا من رغبة أو حتمية تدفع بها المصالح المشتركة لأجل ترقية ثقافة "التلاقي" والإنصات والتعاون.
*
*
3 على قاعدة ثقافة الخوف من الآخر، وهو الحاصل اليوم، لا يمكننا تأسيس حوار جاد، لذا فعلينا البحث عن سبل لاغتيال الخوف فينا وفي الآخر:
*
*
قتل "الخوف" من "الآخر"، هذا الخوف الذي أصبح ينتج وبشكل تراكمي ثقافة "عدم الثقة" و"فقدان الاطمئنان" إلى الشريك "المفترض" الذي يتقاسم معه "مصير الكرة الأرضية" و"مصير الإنسان" على هذه الكرة الضيقة. إن خوف الشمال من الجنوب أنتج بالمقابل خوف الجنوب من الشمال. وقد أصبحت العملية معقدة أكثر منذ أن سقط جدار برلين وتفكك النظام الشيوعي ككتلة "توازن" بين الشرق والغرب وقفزت "الأيديولوجية" الإسلامية إلى الصدارة لتحتل مكان المعسكر الشرقي كطرف صراع. ويتأكد تلوث "الحوار" بثقافة الخوف أكثر وأكثر كلما تم ربطه بسياقات أمنية وعلى قاعدة أحداث 11 سبتمبر.
*
*
... وتفاقم الوضع أكثر وتعمق الخوف
*
*
دون اغتيال "الخوف" فينا وفي الآخر لا يمكننا ترتيب "الحوار المتكافئ" القائم على احترام الاختلاف. وحدها ثقافة الخوف تعيد إنتاج السلوكات والرؤى لعنصرية وتفرح لثقافة الكراهية التي تتجلى في السياسة والإعلام والفنون والآداب.
*
في الوقت الراهن فإضافة إلى الخوف السيكولوجي والثقافي و"خوف الهوية" فإن استمرار حالة "الحرب" وحالة "الاستعمار" بين الشمال والجنوب عقبة أخرى في وجه الحوار. والمقصود هنا هو "القضية الفلسطينية". إن الغرب إذا أراد أن يحقق شريكا حقيقيا في الحوار عليه أن يضغط في اتجاه تصفية الاستعمار الإسرائيلي وأعتقد أن ذلك طريق إلى تحقيق جزء من "الإنصات" و"التحاور" و"التفاهم" الثقافي. ومهما حاول "الغرب" وضع هذه القضية (القضية الفلسطينية) في "درجة ثانية أو ثالثة" أمام مشكلات أخرى يخلقها هنا وهناك ك: القضية العراقية، القضية الأفغانية، السلاح النووي الإيراني... وغدا ستطبخ قضية أخرى يوهمنا الشمال بأنها من "أولويات أجندنه" السياسية، مهما حاول ذلك فإن "الخوف" سيظل قائما في "أهل الشمال" كما في "أهل الجنوب" وبالتالي مآل الحوار إلى الإخفاق أو التأجيل.
*
4 إن التحضير لفتح باب الحوار الجاد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مسألة أساسية وهي تدريس اللغات الأجنبية وهنا لا أقصد تعلم لغات الشمال من قبل أهل الجنوب، فتلك مسألة مفروضة عليهم وقد ذهبوا في تعلما شوطا كبيرا، ما أقصده هو ضرورة أن يتعلم الغرب لغات الجنوب، لا يمكننا اليوم، وأمام ما يحدث، استساغة تهميش تدريس اللغة العربية في المدارس الأوروبية وجامعاتها، فدون تعلم العربية والفارسية والتركية والأمازيغية والكردية وغيرها لا يمكن للشمال "العالم" أو "العام" أن يفهم الجنوب وبالتالي لا يمكنه "محاربة ثقافة الخوف" الكامن فيه على شكل "فوبيا".
*
5 إن ما يلاحظ اليوم على ظاهرة تدريس اللغات الأجنبية،عند الشعوب في الشمال كما في الجنوب، هو نوع من الرفض للغة الأجنبية والذي منبعه ثقافة الكراهية والإلغاء ومحاولة البحث عن تقوقع كل طرف داخل اللغة الوطنية كحالة من "محاولة الاحتماء"، والدفاع عن الهوية. وتراجع تعليم اللغات الأجنبية في الجنوب هو موقف لا يمكن تفسيره إلا بالعودة إلى حالة سيكولوجية رافضة للآخر. كل هذا الواقع "المتشنج" أنتجته ثقافة "الخوف".
*
6 دون شك فتعلم اللغات يسهل التواصل المباشر بين الشعوب والثقافات عن طريق حركة الرأسمالات البشرية وعن طريق حركة الثروات الفكرية والإبداعية من خلال الترجمة. ولعل الخوف الثقافي من الجنوب خلق حساسية وتراجعا كبيرين في باب الترجمة، فقد بلغ ما تترجمه فرنسا إلى لغتها من المنشورات العالمية ما يزيد عن خمسين ألف كتاب وهو رقم إيجابي ولكن حين نعرف أن عدد الكتب المترجمة من العربية لا تتعدى الخمسين كتابا في السنة، مع كل ما يثيره العالم العربي من فضول لدى القارئ الفرنسي، حين نعرف ذلك نصاب بالدوار وتتأكد لدينا فكرة "الخوف الثقافي" أو "الخلل الثقافي".
*
7 اقتراح: وقد اقترحت في إطار أشغال هذه الندوة، سعيا لتفعيل حوار ثقافي جاد يحترم التنوع الثقافي ويقرب الخيرات الثقافية الشمالية للجنوب والجنوبية للشمال، إنشاء مكتبة "عربية أوروبية" تكون قادرة من خلال أرصدتها، برفوفها من الكتب الورقية وبنوكها من الكتب الإلكترونية وبرنامجها الثقافي والنشري، على خلق ديناميكية تقارب حقيقي وفعال ما بين نخب الضفتين وبالتالي تقليص "الخوف الثقافي".
*
كلما تم تهميش المثقفين في لحظات اتخاذ قرارات تهم مصير الكرة الأرضية ومصير الإنسان الذي عليها ازداد "الخوف" وتراجع الحب بين البشر وبين الثقافات واللغات والديانات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.