يقول المثل الجزائري (الهدرة باطل)، وهو ما لمسناه على مدار أيام من حرب "الحبر واللعاب" التي أعلنها المصريون بمختلف فئاتهم، والتي أغرقت القاهرة في طوفانها وعجزت بعض زوارق التعقّل المصرية من بلوغ بر الأمان، بينما تحوّلت هذه الخرجات الإعلامية والفنية والسياسية وحتى الدينية إلى عرض مسرحي ضاحك بدايته كلام وخاتمته كلام. * * وفي الجهة المقابلة، حوّلت الجزائر الصمت إلى علم قائم بذاته وسيّرت هاته "المعركة" التي استعمل فيها الطرف الآخر براميل من اللعاب والحبر بحكمة المتفرّج على أخطاء الآخر، وتمكن الجزائريون من تحويل الفضائيات إلى مسارح لعرائس ضاحكة ورسوم متحرّكة يتسلوّن بغباء الذين يطلّون منها دون أن يصدر منهم أي رد، ماعدا تسجيل الإنزلاقات التي وقع فيها مئات الإعلاميين والفنانين الذين استعملوا كل قواميس الشتم في حق الجزائريين. * الإعلام المصري اتهم بعضه الدولة الجزائرية بإرسال بلطجية "لمعركة" الخرطوم ومع ذلك شتم الشعب، واتهم بعضه المشجعين الشوفينيين الذين ولدوا في الثمانينات من القرن الماضي، ومع ذلك شتم شهداء الأمة الذين ضحّوا بأرواحهم في خمسينات القرن الماضي. * أحيانا، الأزمات تكشف عيوب الناس وتكشف أيضا حسناتهم، ومعركة الكرة التي حوّلها مصريون إلى حرب لم يعلنوها أبدا في وجه الصهاينة عرّت الوجوه القبيحة، ولم يستفد منها الجزائريون فقط، وإنما كل العرب الذين علموا الآن أن أي فنان يقول "بلدي الثاني وأحسن شعب" إنما يؤدي دورا في مسرحية "حب" ومستعد بعد دقائق لأداء دور في فيلم "رعب" أو مسلسل "أحقاد". * قد نختلف مع المصريين كثيرا في مَن البادئ في هاته المعركة ومَن الأكثر حدّة، لكننا سنتفق جميعا أن الهزيمة النكراء في هاته المعركة، كانت لفن الكلام المليء بالرقص والكاريكاتير والتهريج والنصر الكبير في هاته المعركة، كان للصامتين الذين تابعوا المسرحية ولن ينسوا على الإطلاق كاتب السيناريو والمخرج والممثلين والممثلات الذين "أمتعونا" بتهريجهم وسنمّتعهم بردّنا في الوقت وفي الميدان الذي نختاره نحن.