سنة 2010 مرشحة لتكون سنة الرياضة في الجزائر. لكن ما هو مؤكد هو أن المشهد السياسي سيبقى بسذاجته المعهودة، والمشهد الاجتماعي بتوتره واحتقانه المعروف، ولا شيء يؤشر إيجابيا على الاقتصاد، وفيما يخص الأمن هناك عمل كبير ينتظرنا. * * وفي مطلع العام الجديد لثاني عشرية من القرن ال 21 لننظر إلى شيئين: أن "الشكارة" هي التي حسمت انتخابات مجلس الأمة، وأن الجزائر سجلت ناقص (-) 35 مليار دولار في مداخيلها مقارنة بسنة 2008 . * انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة طغت عليها تحالفات غير طبيعية وكانت "الشكارة" هي الحاسم، كما كتبت الصحافة. لا شيء يثير القلق هاهنا لأن العملية الانتخابية في هذه الهيئة، التي هي جزء من "الصرح المؤسساتي" كما يقال، أريد لها أن تكون عملية روتينية شكلية على نمط الانتخابات السابقة، وأن تكون مطابقة ومنسجمة تماما مع الترتيبات السياسية والشكل الذي هيكلت عليه الحياة السياسية من زمان، مما يعني أن الذي يتحدث عن أفكار وبرامج ورؤى وألوان سياسية جديدة كمن يلمع السراب. * وعندما نرى أن عددا كبيرا من أفراد هذه المؤسسة، التي يفترض أنها مؤسسة "الحكماء الكبار"، وصلوا إليها عن طريق الرشوة، يمكن أن نتنبأ ونفهم من الآن نوعية القوانين والسياسة التي سيفرزها مجلس الأمة و"التوجيهات التي سيسديها للأمة"، وأيضا كيف أن المنظومة الرقابية والقضائية في البلاد تقف عاجزة عن الحركة تجاه الرشوة كممارسة بارزة ليس في الأوساط الاقتصادية والمالية ولكن في اللعبة السياسية أيضا. ينبغي أن نذكر أن مجلس الأمة هو الغرفة البرلمانية العليا التي تتمتع بصلاحيات إلغاء ومراقبة القوانين التي يصادق عليهاالغرفة السفلى، أي المجلس الشعبي الوطني. هذا المشهد يعطينا صورة واضحة عما ستكون عليه جزائر 2010 . * إقتصاديا، تظهر الجزائر في وضعية مريحة نسبيا على المستوى المالي من حيث أن التوازنات الإقتصادية الكبرى تبدو جيدة، لكن ونحن ندخل سنة 2010 يجب أن ننظر إلى هذا الرقم: مداخيل الجزائر للسنة المنقضية (2009) تراجعت بحوالي 45 بالمائة مقارنة بالسنة التي قبلها 2008 . وبعبارة أخرى خسرت الجزائر في هذه المرة 35 مليار دولار بالمقارنة مع سنة 2008 حيث بلغت مداخيلنا خلالها 75 مليار دولار بينما لم تتجاوز مداخيلنا في ديسمبر الأخير 40 مليار دولار. * السبب في ذلك واضح وهو تراجع أسعار المحروقات في الأسواق الدولية والذي يعود أساسا إلى تداعيات الأزمة المالية العالمية. سعر الذهب الاسود استقر السنة الماضية في حدود 45 دولار كمتوسط وذلك بعدما سجل أقصى ارتفاعا له في جويلية من سنة 2008 حيث بلغ 147.27 دولار للبرميل. * هذا الوضع أعاد إثارة المخاوف بشأن قدرة الجزائر على ضمان تمويل منتظم للمشاريع التنموية التي سطرتها الحكومة، وأيضا الخوف من عودة البلاد لحالة مشابهة للوضعية المالية الخانقة التي عشناها في خلال عشرية التسعينيات سيما وأن الصادرات خارج المحروقات هي في حدود 2 بالمائة. ومن جانب ثاني ورغم أن احتياطي الصرف بلغ 140 مليار دولار (أي حوالي 3 سنوات استيراد) لكن الرقم القياسي الذي وصلته الواردات، التي بلغت قرابة 40 مليار دولار في سنة 2008، كل ذلك يثير مخاوف حول استمرار هشاشة الوضعية المالية للبلد مهما ارتفعت أسعار النفط لأن المقررين الإقتصاديين لم يفلحوا في بلورة سياسة اقتصادية تخفض تدريجيا الاعتماد الكلي على المحروقات وتقلص من الاستيراد، رغم أن هذه السنة سجل تراجع في حجم الواردات بفعل بعض التقييدات التي أدخلتها الحكومة في قانون المالية والقانون التكميلي، لكن تعثر الإقتصاد المنتج في الداخل يبقى المشكل من دون حل.. * من جانب آخر، تتحدث الحكومة عن برنامج إنمائي خماسي (2010 / 2014) بأكثر من 150 مليار دولار (نقلت بعض الصحف عن وزير المالية قوله أن البرنامج الخماسي قد يستهلك 280 مليار دولار). وهذا يعني أن الحكومة ماضية في نفس سياسة الإنفاق العمومي الضخم على مشاريع في البنى التحتية يظهر جليا أن مردودها الاجتماعي، وحتى الاقتصادي، يبقى غير ملموس، زيادة على أن الموارد المسخرة كانت عرضة للرشوة والنهب (مثال رشاوى الطريق السيار) في ظل الشلل الذي تعيشه المنظومة الرقابية، كما أن نوعية وجدوى المشاريع التي يجري الحديث عنها تبقى مثارة للاستفهام.. والاستفهام الآخر هو كيف يمكن الحديث من الآن عن تسخير ميزانية للخماسية المقبلة تتجاوز 150 مليار دولار علما أن سعر النفط خلال السنة المنقضية كان في حدود ال 45 دولار للبرميل؟ ما يمكن تصوره، في حالة تقهقر أسعار النفط أو حتى بقائها كما هي، هو أن الحكومة لن تقدر على استكمال البرنامج وإلا ستخل بالتوازنات المالية للبلد.. * وهذا يفيد أن الجزائر لم تستفد من الوفرة المالية الاستثنائية التي عرفتها منذ الارتفاع التدريجي لأسعار النفط بداية من سنة 1999 . والآن نفهم كيف أن وزراء مثل طمار وخليل وبن اشنهو ظلوا يثرثرون منذ 10 سنوات بأنهم يملكون عصى موسى لحل مشاكل اقتصاد مريض وبأنهم سيكسبون رهان الانتاج وخلق الثروة لكن استهلكنا كل الثروة من دون أن نبني الاقتصاد وهم ماضون في ثرثرتهم!