حادثة منع وزير التربية الأسبق الدكتور علي بن محمد من إلقاء محاضرة ذات طابع تاريخي حول اللغة العربية بإحدى ثانويات ولاية معسكر قد تبدو للبعض سابقة مؤسفة، وتبدو للبعض الأخر ظاهرة جديدة وغريبة، لكنها في الحقيقة عينة من ممارسات تتكرر كل مرة ولن تتوقف في زمن الرداءة والتخلف والحڤرة التي تمارس على الكثير من الإطارات في كل القطاعات، لكنهم يترفعون عن كشفها والتنديد بها ويصبرون ويصابرون على كل حقد وكراهية وإقصاء مسلط عليهم، ومنهم من لحقه الحصار حتى قبره، ورمي بالنسيان ونكران الجميل بعد رحيله لأن بعض المسؤولين يتوجسون خوفا حتى من الموتى .. ما تعرض له وزير التربية الأسبق قليل من كثير من الإساءات التي يتعرض لها وزراء ومديرين وسفراء سابقون ورجال إعلام وشخصيات وطنية بسبب أراءهم ومواقفهم ضد الممارسات المشينة في وقت يرفع فيه المسؤولون شعارات التوافق والمصالحة وحرية التعبير وتقبل الرأي الأخر، في وقت تتوجه بقية الأمم نحو المزيد من الحب والتناغم والانسجام والمزيد من التقدير لأبنائها، لكن الأمر عندنا يقف على النقيض، فالتصرفات لاتتوقف عند منع الناس من التنفس والكلام وإبداء الرأي، بل تعدتها إلى الإساءة والتضييق والتحريض ضدهم تخوينا وتخويفا، ما كرس وسيكرس ثقافة الحقد والإقصاء والانتقام من ممثلين لسلطة هشة تزداد ضعفا بممارساتها الصبيانية.. المضايقات الممزوجة بالحقد الأعمى بلغت درجة منع من يختلف معنا من الظهور على شاشة التلفزيون والقنوات الاذاعية ومنعهم من تنشيط ندوات فكرية وعلمية، والمشاركة في نشاطات ثقافية واجتماعية وحتى رياضية، في وقت فتحت الأبواب على مصراعيها للرداءة ولرؤوس الفتنة ولسانهم الشيات، ليزرعوا المزيد من الحقد والجهل والتخلف، ويغرقوا المجتمع في ممارسات دنيئة وحقيرة سيشربون من كأسها ذات يوم، لأن من يغرس ثقافة الحقد سيحصد الانتقام دون شك .. الظاهرة صارت ثقافة متجذرة يترفع عن ذكرها والتنديد بها من يتعرضون لها ليس خوفا أو طمعا، ولكن شفقة على بعض المسؤولين المتملقين الذين إذا خرجوا من دائرة السلطة تخرج الروح من أجاسدهم خوفا، فهناك من الوزراء والمديرين ممن تعاملوا مع المغضوب عليهم بمهنية وأخلاق عالية، لكنهم أقيلوا من مناصبهم أو تم توبيخهم من سلطة الظل وكأنهم تعاملوا مع أعداء للوطن أوصادقوا الخونة والمجرمين، وكم من جمعيات وطنية حرمت من المساعدات والدعم المالي لأنها استضافت هؤلاء المغضوب عليهم وتعاملت معهم، وكم من نشاطات فكرية وعلمية وثقافية ألغيت لأنها كانت ستعرف مشاركة رجال ونساء أحرار، وكم من رجال ونساء حملوا معهم إلى مثواهم الأخير الكثير من الألم على مخلفات تفكير صبيانية والغبن والحزن على تصرفات شيطانية لا يتسع المقام لذكرها إن الاعتقاد بأن الاستمرار في السلطة المطلقة يمر عبر شراء الذمم وتكميم الأفواه والتضييق على الحريات ومحاصرة الشخصيات الوطنية وأبناء الوطن الأحرار هو اعتقاد لن يؤدي سوى إلى المزيد من الكراهية والحقد بين أبناء المجتمع الواحد وإلى المزيد من بؤر الاحتقان ولو على مستويات بسيطة التي ربما ستطالها ممارسات السلطة التي تريد وأد كل شيء، لكن وطننا حتى وإن سيطرت عليه ثلة من الأشرار فحبل ظلمها مهما غلظ سينقطع ولن تبقى إلا أيادي الأخيار ممدودة للوطن بحكم الفطرة ليشعر كل نقي وتقي بأنه ليس وحده مهما طاله الحقد والاقصاء ..