الظاهر أن الفساد هو الذي أصبح الضحية في بلد طغت عليه الذاتية وازدواجية المعايير، فالكل في الجزائر يتملص من هذا الفساد ويدّعي النزاهة، ويوجّه أصابع الاتهام إلى غيره، وعلى مرّ سنوات عديدة والشعب يخضع للخراب الذي أكل الأخضر واليابس، ومنذ اندلاع الصراع بين الأيادي الملطخة والأيادي النظيفة، يبقى دائماً المواطن البسيط هو الوحيد الذي يدفع الفاتورة. نعلم جميعاً، أن مسؤولي النظام لا يعيرون اهتماما للمواطن البسيط إلا حين تقترب مواعيد الانتخابات، حيث بات هذا التهميش بمثابة الاستخفاف بالوعي الشعبي، إلى أن عاث هؤلاء المسؤولون في الأرض فساداً، لأنهم يعتقدون يقيناً أن هذا المواطن ساذج وسلبي ولن يسبّب لهم خطراً، ووصل تفشي هذا الفساد إلى درجة لا تُطاق، مروراً بقضية الخليفة، إلى سوناطراك، ثم الطريق السيار.. حتى الثقافة في بلادنا طاولتها أذرع الأخطبوط وأصبحت تعاني من سمومه، وما يجول هذه الأيام بين لويزة حنون، رئيسة حزب العمال، ونادية لعبيدي وزيرة الثقافة، من اتهامات ليس ببعيد، حيث فجرت حنون قنبلة من العيار الثقيل تتعلق ببؤر الفساد في عقر وزارة الثقافة مع إثبات تورطهم في ذلك، وبدورها تدعو لعبيدي إلى إنشاء لجنة تحقيق برلمانية بشأن الملفات التي أثيرت ضدها، مشددة على أخلقة الممارسات السياسية لأنها دخلت نظيفة وستخرج نظيفة. هل ما يحدث الآن من استفحال هذه الظاهرة يدل على بوادر أزمة سياسية وانهيار أخلاقي؟ أم فساد يئنّ تحت وطأة تملص الوزراء، وتبادل الاتهامات؟ وهل وقوع النظام في هذه البؤر هو مؤشر واضح على أن التوعية الشعبية أتت أكلها؟ أو هي مجرد غوغائية عابرة تحاول تمويه الشعب بأن هناك فعلاً مسعى حقيقي لمحاربة الفساد؟ والسؤال المهم والجوهري في الموضوع: ألا تستهدف هذه القضايا والفضائح بالدرجة الأولى الشعب الجزائري، وليس وزراء الفساد فحسب؟ وهناك من يتحدث عن أن العدالة أخذت مجراها وبالتالي ستخمد بعض فتيل الفساد، وتدحض نزيف هذا الاستهداف. فبأي سبل سوف يكون ذلك، إذ أن المشكلة القائمة مشكلة أخلاقية يجب الاعتراف بها، لاكتساب إرادة سياسية قوية نحارب بها الفساد من جذوره.