وماذا عن الإعاقة التي تصيب الضمير؟ وهل الإعاقة في مفهومها الشامل تعني العجز عن النطق والبصر والسمع، أم أنها تعني العجز عن التفكير السوي الراشد الذي يصنع أمة بإمكانها أن تري الأعمى الشمس في الظلام لا أن تري البصير نجوم الليل في عز الظهر؟ أسئلة تطرح نفسها ونحن نقيم للمعوقين يوما للاحتفال بهم بتوزيع بعض الكراسي للمعاقين حركيا وبترفيه المعاقين ذهنيا بحفلات الغناء والرقص لنريحهم بعض الوقت وليس كل الوقت.. نحن الآن نتقن إحصاء فاقدي البصر والسمع والنطق والعاجزين عن المشي، ونتقن تقديم الأرقام المتصاعدة، كما نتقن إحصاء ارتفاع معدلات الجريمة وحوادث المرور من دون أن نتطرق إلى ضرورة ارتفاع الحس الإنساني اتجاه هذه الفئة المشلولة بفعل سياسات القمة وسلبية القاعدة اتجاهها.. ويؤسفنا أن الجزائر التي يسيّر أبناؤها منظومات صحية عالمية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وبلجيكا، والتي فاز طبيب من أرضها على جائز نوبل في الطب منذ أزيد عن قرنو لا يمكنها إجراء أكثر من مائة عملية لزرع الكلية خلال عام واحد، وكلنا نعرف أن عشرات الآلاف من المصابين بالقصور الكلوي هم أشد شقاء من المعاقين، ويؤسفنا أننا مازلنا نعجز عن سن القوانين الشرعية والصحية لزرع القرنية ورد البصر للآلاف من الذين يعانون من فقدان النور، ويؤسفنا أكثر أن عيادات زرع القرنية ورد البصر افتتحت في تونس والأردن خصيصا لقوافل المرضى الجزائريين المطالبين طبعا بدفع الغالي والنفيس لأجل استرداد بصرهم، وكان بالإمكان أن ننسف هذا الرقم المليوني المهول لعدد المعاقين في الجزائر والذي يعرف تصاعدا رهيبا من عام لآخر، عكس ما يحدث في دول عالمية كثيرة صار المعاقون فيها مهددين بالانقراض، والتهديد هنا بالانقراض من جانبه الإجابي، وإذا كان الشائع لدى الناس أن الإعاقة هي امتحان رباني، وتردّ في الغالب إلى الطبع وليس التطبع، فإنها عندنا تورطت في عجينتها أيدينا، والعاجز عن توفير يد اصطناعية لمعوق حركيا أو قرنية لمن لا يبصر، والمتورط في منح جوازات السياقة لمن لا يستحقونها فيعيثون في الأبرياء إعاقة هم بالتأكيد من جعلوا الجزائر تئن بأرقامها المهولة رغم أنها تتوفر على المناخ الرباني الصحي لأجل أن يكون لها شعب يتمتع بالعقل السليم في الجسم السليم.. في بلدنا قد تنتهي سنوات المعلم على كرسي متحرك، وقد تنتهي سنوات الأطباء والمشاهير في مستشفيات الأمراض العقلية كما حدث للسيدة البروفيسور نصيرة بيريريش التي كانت مشروع أول وزيرة للصحة في الجزائر وباعثة أكبر معاهد الطب في بلادنا وهي الآن نزيلة مستشفى جبل الوحش للأمراض العقلية بقسنطينة، أو كما حدث لعالم الذرة أحمد مرير الذي عاد من جامعة متشيغان الأمريكية "فأكرموه" بمنصب ضمن تشغيل الشباب في مصلحة الغابات ففقد بصيرته وعقله وأمضى أياما ضمن قائمة المجانين قبل أن يقرر الانتحار.. للأسف في بلدنا الإعاقة هي في الغالب جريمة مجتمع ونظام مع سبق الإصرار والترصد، وإذا كانت القاعدة الصحية تقول إن الوقاية خير من العلاج فعندنا مع هذه الفئة لم نوفر لها لا الوقاية ولا العلاج، فجاءت الطامة الكبرى التي جعلتنا بفعل فقدان الغالبية للبصيرة يفقد البقية البصر والسمع والنطق والحركة والعقل، مع علمنا أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.