زيارة فاطمة الأخيرة إلى بيت أهلها في موزاية، غرب البليدة، الأربعاء الفارط، كانت خاطفة ومحيّرة.. فالفتاة لم تجد غير صدر شقيقتها الصغرى لتبوح لها بأنها مهددة بالقتل حرقا، دون توضيحات أخرى، لتقرر العودة على جناح السرعة إلى كوخها بالعاصمة، بعد اتصالات متكررة تلقتها من زوجها، يُخبرها بأنه بصدد توفير سكن جديد. فغادرت على أمل أن تصدق وعوده هذه المرة. اهتزت بلدية برج الكيفان بالعاصمة، مساء الجمعة، عشية المولد النبوي الشريف، على وقع جريمة قتل بشعة راحت ضحيتها زوجة شابة، تبلغ 36 سنة من العمر، على يدي زوجها السكّير الذي أحرقها وظل يراوغ بدم بارد إلى أن كشف تقرير الطب الشرعي التنكيل الذي تعرضت له الضحية قبل أن تُفارق الحياة. "الشروق" انتقلت إلى مسكن عائلة الضحية بحوش بوسمارة في بلدية موزاية غرب البليدة.. هناك ووسط فناء المنزل، يستقبل عبد القادر، ذو ثماني سنوات، من قدموا لعزاء والدته بابتسامة عريضة، يتساءل لم حضرت كل العائلة عدا أمّه التي وعدته بأن يقضيا المولد معا. يتلقى الكثير من عبارات المواساة ولا يعي شيئا، يبكي تارة ويطير فرحا تارة أخرى بالشموع والمفرقعات ودراهم معدودة، بينما تسيطر رائحة الموت على المشهد الذي يُدمي القلوب. شقيقة الضحية قالت إن فاطمة لم تترك لعبد القادر شيئا عدا صورة أخيرة جمعتهما معا وقبلة أرسلتها إليه من بعيد ووعود لن تتحقق بملاقاته الجمعة لتقتني له لباسا جديدا، بينما هي على قارعة الطريق في انتظار حافلة المسافرين لتقلها إلى محطة القطار بالمدينة، ومن ثم إلى كوخها بمزرعة وزان محمد ببلدية برج الكيفان في العاصمة، حيث كان زوجها الشيخ الذي طالما حظي بعطفها وابتسامتها يُخطط للتخلص منها. جريمة بسبب 3000 دج زواج الضحية فاطمة، 36 سنة، بشخص يكبرها في العمر بأزيد من عقدين (57 سنة)، لم يكن طمعا منها في ثروة يملكها هذا الأخير أو راتب أو منصب ينسيها سنوات الفقر والحاجة التي تخبطت فيها وسط أسرة مكونة من 11 فردا، وإنما كانت رغبتها في الستر بعد تجربة زواج أولى فاشلة، أهم بالنسبة إليها من المال.. تروي شقيقتها نجوى في حديث إلى "الشروق" أن فاطمة تعرفت على الجاني عن طريق صديقة، وحاول جرها إلى طريق الرذيلة، مستغلا بؤسها وحاجتها لإعالة ابنها، مقابل مكاسب مادية، غير أن رفض فاطمة ربط أي علاقة "مشينة "مع الجاني، جعله يتمسك بها ويعرض عليها الزواج في الحلال فاقترنت به شهر سبتمبر الفارط.. رضيت المرحومة فاطمة بشظف العيش وانتقلت إلى "عشة" الزوجية وسط أحراش بضواحي برج الكيفان.. وهناك اكتشفت حقيقة الزوج المُخادع الذي تحيى برفقته، فالجاني لا يعمل وكل همه في الحياة تأمين جرعة كحول يحتسيها ليدخل في هستيريا وجنون لا ينتهي، ووصل به الأمر ليطلب منها أن تمنحه نفقة ابنها من طليقها الأول، ليصرفها على إدمانه. وهو ما جعل هذه الأخيرة تفكر في الطلاق منه. وكانت مصالح الحماية المدنية تدخلت من أجل إخماد حريق شب ليلة الجمعة بكوخ يقع في مزرعة وزان، وانتشلت سيدة في الثلاثينيات تفحمت جثتها كليا بسبب شمعة مع إصابة زوجها بجروح طفيفة كان اللغز الذي حيّر الجميع. فالضحية عُرفت ببنيتها القوية ونباهتها، ما جعل الجميع يتساءل: كيف لفاطمة ألا تتمكن من الفرار في بداية حريق شب بسبب "شمعة"؟ في حين نجا زوجها الشيخ؟ كما أن الجثة التي انتشلت من بين ركام الحريق، كانت في وضعية الجلوس وكأنها كانت مكبلة، ما زاد من حيرة أسرتها وأشقائها، غير أن شكوكهم لم تحم حول زوجها مطلقا، حيث بدا عليه التأثر والحزن الشديد. الجاني يعترف: لهذا السبب قتلتها! مصالح الأمن انتقلت إلى مسرح الجريمة، وباشرت عملها على أساس معاينة حريق عادي، غير أن الخبرة العلمية كشفت خيوط الجريمة النكراء، فتقرير الطب الشرعي أثبت أن الوفاة كانت عنيفة مع وجود إصابات بالغة في مؤخرة الجمجمة، وأن الضحية تعرضت للتنكيل قبل أن يتم حرقها، فضلا عن وجود خدوش في وجه القاتل، فضلا عن عرقلته عمل الحماية المدنية أثناء انتشالها الجثة، ما جعل المحققين يواجهونه بالتهم المنسوبة إليه. مصادر "الشروق" أفادت بأن الجاني انهار واعترف بتفاصيل جريمته البشعة مصرحا بأنه خطط لقتل زوجته التي تصغره سنا بعدما لاحظ أنها لم تعد تحتفي به وتتوق إليه كرجل كما كانت في بداية زواجهما، فضلا عن توبيخها المستمر له وحثه على البحث عن عمل قار وتفكيرها في الانفصال عنه ورفضها منحه مبلغ 3000 دج، نفقة ابنها، التي تحصل عليها من طليقها ليصرفها على الخمور. وكان مبلغ النفقة السبب في مشاجرة عنيفة نشبت بينهما ليلة الواقعة وبحكم بنيتها الجسدية القوية لم يجد أمامه غير أن يباغتها بضربة بواسطة نازع مسامير في الرأس، فخرّت صريعة، عندها قام بتكبيلها وأضرم النار في الكوخ، إلى أن احترقت الجثة وتفحمت بشكل كلي، بينما قام هو بحرق أجزاء من يديه مدعيا أنه حاول إنقاذ زوجته من النيران محاولا طمس آثار الجريمة. فراق فاطمة، تقول والدتها التي هي طريحة الفراش، "ترك حرقة لا تنطفئ"، لا سيما أنها لم تكن على علم بمعاناة فاطمة ولم تتمكن حتى من إلقاء النظرة الأخيرة عليها بسبب التشوه الشديد الذي لحقها جراء ألسنة اللهب التي التهمت جسدها.