المتأمل في "استمارة طلب جواز السفر وبطاقة التعريف الوطنية البيومترية الإلكترونية" يجد أنها تحمل الكثير من التناقضات مع دستور البلاد وقوانين الجمهورية، إلى جانب أخطاء في المفاهيم واللغة والنحو. * * أما المتعمق فيها فإنه يكتشف أنها "معلومات استخباراتية" تشكك في الوجود الشخصي للمواطن والهوية الجزائرية، وكأن الشركة الفرنسية التي تقف وراءها تريد تحقيق حلم فرنسا في مدة خمس سنوات بعد أن عجزت عن تحقيقه خلال 132 سنة من الاحتلال والإبادة للشعب الجزائري. * * تحوي الوثيقة البيومترية شريحة إلكترونية تخزن فيها المعلومات والبصمات وصورة صاحبها، وتكلفة الشريحة الواحدة هو 10 أورو (أكثر من ألف دينار)، أما الأجهزة فتجاوز ال 90 ألف أورو، والشركة التي تقف وراء "البيومتري الجزائري" هي الشركة الفرنسية (أوباثيرتيكنولوجيز) التي أنشئت في ديسمبر 2007 عن طريق تكتل بين شركتين فرنستين هما (أوبا ثيركارد سيستام) و(فرانسواشارل- أوباثير فيدرسيار) وهناك جدل كبير حول الأزمات والهزات التي مرت بها في فرنسا وألمانيا، وهي مصنفة في القائمة السوداء لدى جمعيات حقوق الإنسان في أوروبا لأنها زوّدت إسرائيل بمعدات تكنولوجيا استخدمت، والمفارقة أن إسرائيل تستخدم "العبرية" في الأجهزة المستلمة من الشركة بينما الجزائر تستخدم الفرنسية بالرغم من أن اللغة لا تطرح إشكالا إلكترونيا لاستخدامها. * * ماذا يعني إدماج معلومات الهوية مع جواز السفر؟ * من حق "الطيران المدني الدولي" أن يوحد المعلومات المتعلقة بجوازات السفر، وعلى كل من يريد السفر الالتزام بها، لكن ليس من حق وزارة الداخلية أن تتعامل مع طالب بطاقة التعريف الوطني بمنطق طالب جواز السفر، لأن البطاقة هي للدولة وليست للتعامل الدولي، فجواز السفر الجزائري الحالي غير معترف به داخل الجزائر ولكنه معترف به دوليا. * * وإذا كانت منظمة الطيران المدني الدولية حددت للحكومات في العالم سنة 2015 كآخر أجل للتعامل بجوازات السفر غير البيومترية الإلكترونية، فهذا يعني أنها أعطت فرصة 5 سنوات، وهي فترة كافية بالنسبة للخمسة ملايين جزائري ممن لهم جواز سفر يتطلب مطابقته دوليا. ولكن هل نحن مجبرون على استخدام المعلومات نفسها في بطاقة التعريف؟! وهل ال 25 مليون جزائري المطالبون بتجديد الهوية مجبرون على رهن معلوماتهم لشركة أجنبية؟ وهل تدرك وزارة الداخلية بأن شعب الكونغو عاقب حكومته ومنع الشركة من إنجاز حلم فرنسا؟ وهل تدرك لويزة حنون أن رأسمال الشعوب هي المعلومات؟ ماذا نقول عن شعب بريطانيا العظمى الذي رفض برلمانه اقتراح جون مايجر رئيس الحكومة بإنشاء "بطاقة هوية" للشعب؟ * * وماذا نقول عن الشعب الأمريكي الذي يتعامل ببطاقة "الضريبة".. أعتقد أن المعلومات المطلوبة في الاستمارة ليست بهدف حماية البلاد من الإرهاب ولكن لبيعها ونزع هويتها، ولنتوقف عنذ ذلك لنؤكد ما ندّعيه: * * أولا: التعريف بالاستمارة * الاستمارة أو الاستبيان تستخدم الأسئلة المغلقة والأسئلة المفتوحة، والاستمارة التي يملؤها صاحب الوثيقة سيجد في أسفل يسارها إشارة (10 / 1) وتعني وجود 10 صفحاتها من حجم (21 x 27) لكن حين نعدها نجدها تتألف من 12 صفحة، وأن صفحتين مكتوب عليهما "أناكس" أي ملحقتين بالاستمارة وتخص المتزوجين والأولاد. * * وتتألف الاستمارة من سبعة عناصر: * * 1- الحالة المدنية لطالب الوثيقة (28 معلومة) * * 2- المسار الدراسي بأطواره الخمسة (أسئلة مفتوحة ومغلقة) * * 3- مسار الخدمة الوطنية (أسئلة مفتوحة ومغلقة) * * 4- النشاط المهني أو الوظيفي (أسئلة مغلقة ومفتوحة) * * 5- الأب (14 معلومة) * * 6- الأم (6 معلومات) * * 7- الضامن (معلومات ذات أسئلة مغلقة) * * الشاهد في الوثيقة * إذا كانت الوثيقة مقسمة إلى قسم مخصص للسلطة التي تصدر الوثيقة (13 معلومة) وقسم مخصص لطالب الوثيقة البيومترية وثالث مخصص للشخص الضامن في الوثيقة، فإن أهم قسم فيها هو الضامن أو الشاهد، فهو المخوّل بتحديد هويتك: ما إذا كنت أنت هو أنت اسما وصورة. وبفضله تعترف السلطات بوجودك كاسم ولقب وصورة. * * والمطلوب من الضامن ملء الاستمارة (صفحة 5) استنادا إلى بطاقة تعريفه، وأن يوقع على صورة من صورك الشخصية الأربع المقدمة في الملف، ويوقع على التصريح التالي: * * "أصرح بشرفي أنني أعرف الشخص المعني بالأمر صاحب الصورة والمعلومات المذكورة في الاستمارة منذ سنتين على الأقل". * * وإذا كان صاحب الطلب يوثق معلوماته لدى السلطات (رخصة السياقة) فإن الضامن فيه لدى السلطات يوثق توقيعه أو تصريحه ب (بطاقة الهوية)، علما بأن الوثائق المطلوبة ومنها شهادة الميلاد (وليس عقد الميلاد) تكون خاصة ويوقعها رئيس البلدية -مسقط الرأس- أو أمينها العام، وتعطى مرة واحدة في العمر، إلى جانب الوثائق الأخرى منها شهادة ميلاد الوالدين والجنسية والإقامة والحالة المدنية، وشهادة العمل وأربع صور، ونسخة من فصيلة الدم، والجواز أو البطاقة المنتهى الصلاحية. فهل يعقل أن يكون الضامن أهم من وثائق الدولة؟ * * هل الفرنسية لغة وطنية * الاستمارة، في جوهرها تضم 6 صفحات باللغة العربية و6 صفحات أصلية باللغة الفرنسية، ومطالب بأن تكون متطابقة المعلومات باللغتين، بالرغم من أن الدستور الجزائري ينص على أن اللغة العربية لغة رسمية وأن الأمازيغية لغة وطنية. فما موقع الإعراب بالنسبة للفرنسية سوى أن من يعالجون "المعومات والمعطيات" يجهلون العربية أو يجهلون الإنجليزية المستخدمة في "لغة الطيران المدني الدولي" ومن يتوقف عند طريقة إعداد الاستمارة يجد أنها لم تراع الدقة، فالقسم المخصص للسلطة التي تصدر جواز السفر يتناقض مع التنصيص على (جواز سفر) أو (بطاقة التعريف الوطنية) فيفترض أن نسمي القسم الأول ب (المخصص للسطات العمومية)، والقسم الثاني المخصص للضامن ثم طالب جواز السفر أو البطاقة الوطنية باعتبار أن السلطة صارت وسيطا بين المواطن الضامن والمواطن المضمون فيه. * * ونجد على يمين الاستمارة بخط كبير كلمة (بالغ) ومفهوم البالغ هو الذي حدده القانون الجزائري بالمؤهل للتصويت، في حين نجد في يسار الاستمارة بخط أصغر ما يلي ل "شخص ذو - وليس ذي - 16 سنة فأكثر). * فهل من بلغ 16 سنة صار مواطنا ضامنا ومضمونا؟ * * ما يؤسف له هو كثرة الأخطاء، فشهادة الميلاد تسمى (عقد الميلاد) والأم صارت أبا في صفحة (10) الوثيقة الثالثة، والتصديق على الوثيقة صار مصادقة (مصاحبة)، وهو خطأ شائع في الجزائر و(المدينة) صارت (البلد)، والمفعول به صار مرفوعا (اذكر واحد) صفحتا (6 - 8)، وحتى المعتل مثل (العادي) لا تحذف العلة فيه في النكرة (عادي) صفحة 1 (المعلومة 6) وهناك مترادفات في الصفحة الواحدة (ص ملحق) كلمة أولاد ثم كلمة أبناء في (المعلومة 10) ترى من يجرؤ على الضمان فيك، وفي صحة المعلومات؟ وإذا كان رئيس الحكومة يمكن أن يكون الضامن في الوزراء لأخذ جوازات سفر أو بطاقات تعريف، وإذا كان الرئيس قد يضمن في رئيس حكومته فمن هو الذي سيضمن في الرئيس إذا جدد جواز سفره أو بطاقة التعريف الوطنية. * * والمشكلة هي في المرأة، فمن هو الرجل الذي يضمن فيها، لأن ضمان المرأة فيها يحتاج إلى امرأتين (شاهدين) لأننا بلد مسلم. * * ما قد ينجر عن المعلومات المطلوبة أكثر خطورة على المجتمع الجزائري من المعلومات نفسها، لأن المواطن فيها يفقد (وجوده) وإثبات الوجود هو للمفقودين فقط، فهل الشعب الجزائري صار مفقودا وجاءت السلطة لتثبت وجوده؟ * * أشك في أن يكون من وراء مشروع "الوثيقة البيومترية" من أصول جزائرية، وأشك في أننا في مجتمع الدولة، وإنما نحن عدنا إلى مجتمع القبيلة؟