أثار غياب بطل الفيلم الروائي الطويل "بن باديس" يوسف سحيري الكثير من اللغط في كواليس قاعة احمد باي وفتح الباب مجددا أمام الكثير من علامات الاستفهام والتعجب رغم تأكيد المنظمين بان ظروفا خاصة حالت دون حضوره. ورغم ذلك لم يكن الحدث بقدر ما كأنه العلامة الشيخ الذي عاد سينمائيا إلى مسقط رأسه مدينة العلم والعلماء قسنطينة. غصت قاعة أحمد باي بقسنطينة سهرة ، الثلاثاء ،عن آخرها بجمهور شده الفضول لمشاهدة أول فيلم سينمائي عن حياة العلامة عبد الحميد بن باديس، فتوافدت العائلات والطلبة الجامعين وشخصيات ثقافية وفنية وأكاديمية إضافة إلى الحضور الرسمي ممثلا في وزير الثقافة ووالي الولاية ووالي ولاية ميلة وأسرة الفيلم من المخرج السوري باسل الخطيب إلى الممثلين المشاركين والذين تخلف عنهم بطل العمل يوسف سحيري. شد الفيلم الذي دام زمنا عرضه قرابة الساعتين أنظار وانتباه الحضور، وعاد بهم إلى تاريخ قسنطينة بداية من ديسمبر 1889 وظلت الأحداث تتوالى دراميا إلى غاية إلى غاية 1940. وأبرز الفيلم كيف كان الشيخ ابن باديس يتصدى لكل الضغوطات التي مورست عليه من قبل حكام فرنسا آنذاك، ولم يستطع التضحية بجمعية العلماء المسلمين حتى بعد أن راوغه الحاكم، وطلب منه الاختيار بين التضحية بعائلته، أو بجمعية العلماء المسلمين التي كان مؤسسوها يسعون إلى غرس القيم الأخلاقية والمبادئ الإسلامية، بدءا بتعليم الذكور والبنات القرآن الكريم بالمسجد الكبير بقلب مدينة قسنطينة في ظروف صعبة للغاية، بدليل أن الفرنسيين كانوا يمنعونه بشتى الوسائل، وتوصلوا حتى لقطع الكهرباء وحياكة الدسائس للتخلص منه. وما ميز حياة بن باديس أنه وهب حياته كلها للجزائريين وللتعليم والتدريس، حتى عائلته لم تكن لها الحق في رؤيته بصفة دائمة، وابنه الوحيد "إسماعيل" الذي توفي وهو صبي، لم يكن له الحظ في رؤيته بصفة دائمة وكثيرا ما كان يشتاق الابن لحضن وحب والده. وقد أبدع بطل الفيلم "يوسف سحيري" من الأغواط، في أدائه لدور الشيخ بن باديس إلى جانب الممثلين الآخرين. وكشف وزير الثقافة في كلمته ألقاها بالمناسبة قبل بداية الفيلم، أن إنتاج الفيلم الروائي الذي تناول بعض الجوانب من حياة الشيخ بن باديس، وأنجز باحترافية كبيرة، يعد تحديا كبيرا في ظل النقص الملحوظ الذي تعرفه السينما الجزائرية، بحكم خصوصية وتميز شخصية عبد الحميد بن باديس. وأضاف في سياق ذي صلة، أن بن باديس لا تكفيه 50 حلقة بكل تفاصيلها، لكن المولود السينمائي الجزائري الجديد ستكون له بصمة في الحركة السينمائية والثقافية الجزائرية. ما عاب الفيلم حقيقة، هو عدم التطرق إلى العديد من المحطات الهامة في حياة الشيخ ابن باديس، إلى جانب الأخطاء اللغوية عند ترجمته من اللغة الفرنسية إلى العربية، والذي يتطلب إعادة تصحيحها من باب الأمانة العلمية والتاريخية.