أشارت بعض الإحصاءات إلى أنّ إنفاق المسلمين على الأطعمة يتضاعف خلال شهر رمضان، ويبلغ مستويات قياسية، تتضاعف معها أرباح التجّار والشّركات التجارية المختلفة، وتشير إحصاءات أخرى محلية إلى أنّ الجزائريين يسحبون من مراكز البريد ما يزيد على 60 ألف مليار سنتيم خلال شهر رمضان، وهو ما يفوق ضعف ما يسحبونه في الأشهر العادية حيث لا يتعدّى 24 ألف مليار سنتيم، ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة، لوجدنا أنّ كلّ فرد جزائريّ يستهلك ما قيمته مليون ونصف المليون سنتيم، في شهر رمضان، لا شكّ أنّ جلّه يحوم حول الأطعمة، على اعتبار أنّ مختلف التّجارات الأخرى تكسد في هذا الشّهر. لو كانت أطباق الطّعام التي تُرصد لها كلّ هذه الأموال الطّائلة، تستقرّ في بطون الصّائمين، لربّما هان الأمر، لكنّ الواقع الذي لم يعد خافيا على أحد، يدلّ على أنّ ما لا يقلّ عن نصف الأطعمة التي تُقتنى ويتمّ إعدادها، يكون مصيره إلى المزابل! وفي هذا الصّدد تشير إحصاءات نشرتها كثير من الجرائد إلى أنّ الجزائريين يلقون أكثر من 12 مليون خبزة في المزابل يوميا خلال شهر رمضان! هذا فضلا عن الأطعمة الأخرى التي ما عادت حاويات القمامة تستوعبها، حتى أصبح مشهد الأكوام الهائلة من القمامة التي تتراكم إلى جانب الحاويات من المشاهد التي تتكرّر صبيحة كلّ يوم. إنّه لأمر مؤسف للغاية أن يحتلّ الجزائريون المرتبة الأولى عالميا في التّبذير، ويصبح سلوكهم مادّة دسمة لمختلف وسائل الإعلام العالميّة، مع أنّهم شعب مسلم، يفترض أنّهم جميعا يقرؤون ويسمعون قول الله جلّ وعلا: ((وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)) (الإسراء، 26- 27)، وقوله سبحانه: ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) (الأعراف:31). انحدار خطير، نتحمّل جميعا مسؤوليته، ونتحمّل واجب إيقافه.. من واجب الأئمّة أن يكثّفوا توعية رواد المساجد بخطورة هذا السّلوك المحرّم والمشين، ويخوّفوهم عواقبَ التّمادي فيه، ويحذّروهم التعرّضَ لسخط الله الذي قضى ومضت سنّته بأن يعاقب كلّ أمّة لم تقدّر نعمه، بسلبها منها، وإلباسها لباس الجوع والخوف، قال جلّ شأنه: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون)) (النّحل، 112). من واجب الآباء أيضا أن يتّقوا الله في أموالهم ويحرصوا على إنفاقها فيما تدعو إليه حاجة أسرهم ممّا أحلّ الله، ويحذروا التّمادي في إنفاقها على ما يكون مصيره حاويات القمامة، لأنّهم سيُسألون عنها بين يدي الله يوم القيامة، ففي الحديث "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ".. ينبغي لربّ كلّ أسرة أن يحكّم دينه وعقله وهو يطوف في الأسواق، ولا يستسلم لنزغات نفسه وإملاءات بطنه، ويتذكّر أنّ شهيته إلى الطّعام ستخبو مع أوّل لقمة يمدّها إلى فمه عند الإفطار، ويجد نفسه عاجزا عن أكل عُشُر ما وضع أمامه على المائدة. من واجب النّساء أيضا أن يتّقين الله في أنفسهنّ ويرتدعن عن هذه العادة السيّئة؛ عادة التّنافس مع الجارات والقريبات في أسماء وألوان الأطعمة التي يتمّ إعدادها يوميا.. التّنافس في هذا الشّهر ينبغي أن يكون في طاعة الله وليس في أنواع الأطباق وأشكال الأطعمة. إنّه ليس يجوز ولا يليق أبدا أن تعتكف المرأة المسلمة في المطبخ ساعات طويلة لأجل إعداد أنواع وألوان شتى من الأطباق والأطعمة، يكون مصيرها في النّهاية حاويات القمامة، وتحرم نفسها تلاوة القرآن وحفظه وسماعه ومتابعة ما ينفعها من المحاضرات والدّروس على القنوات الدينيّة الهادفة. حرام أن تقضي الأسر الفقيرة أيام رمضان وهي تتدافع أمام البلديات وأمام المساجد، لأجل الظّفر بمؤونة رمضان، ويقضي المشرّدون من إخواننا السّوريين والأفارقة أيام الشّهر الفضيل يطوفون على مطاعم الرّحمة، بينما ملايين الأسر ترمي أطنان الأطعمة في حاويات القمامة يوميا.. ((أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8))) (التّكاثر).