لم يكن يسيرا عليّ أن أكتب هذه الأسطر أروي فيها أصعب وأمرّ لحظات يمكن أن تمرّ بها امرأة يتواجد زوجها الصحفي بيومية الخبر، حميد زعاطشي، بين مخالب وحش بربري يضرب بكل القيم والأخلاق والقوانين عرض الحائط ولا يعترف إلا بالقتل والتعذيب والإهانات، فمهما حاولت اختيار الكلمات وتنسيق العبارات فهي أعجز من أن تعبر عن تلك اللحظات!. عندما أخبرني بسفره ضمن قافلة الحرية الدولية لكسر الحصار على غزة العزيزة، اختلطت عليّ المشاعر ولم أعد أُفرّق آنذاك إن كانت خوفا مما قد يخبئه لهم الإسرائيليون أو فخرا بما سيفعله هؤلاء الأبطال.. ورغم أنني لم أكن أود في داخلي أن يكون في هذه القافلة، فلم أستطع بالمقابل منعه..إنها غزة.. فلسطين... ومنذ أن سافر إلى تركيا استعدادا لانطلاق القافلة من مدينة أنطاليا الساحلية، وأنا أتابع بكل جوارحي كل صغيرة وكبيرة عن القافلة وأبحث عن أخبارها في كل الجرائد والمواقع الالكترونية ووكالات الأنباء والفضائيات عن شيء يطمئنني على مستقبل هذه المبادرة. وبقدر ما كنت أدعو الله أن يحفظهم وينصرهم على الأعداء ويحققوا الهدف الذي من أجله يضحون بحياتهم، كنت أدعوه أيضا أن يلهمني الصبر ويقوّي إيماني وأنا أراقب التطورات الخطيرة للوضع والتصعيد الإسرائيلي ساعات قبل الهجوم الهمجي على أولئك الأبرياء، رغم أن زوجي كان يتصل بي يوميا عبر الهاتف أو من خلال الرسائل الالكترونية يطمئنني فيها على حاله وأن الأمور ستسير على ما يرام. وكانت آخر رسالة الكترونية تلقيتها منه ساعتين قبل الهجوم، طلب مني فيها ألاّ آخذ على محمل الجدّ ما تتداوله الفضائيات من هجوم محتمل على القافلة بعد أن حاصرتها القوارب والبوارج الإسرائيلية قائلا "نحن نرى هذه القوارب لكنها بعيدة عنا..أظنّنا لسنا بعيدين عن غزة..ما بقاش بزاف.." كان يحاول أن يطمئنني، لكنني كنت متخوّفة كثيرا ولم أستطع النوم ليلة الهجوم، وأنا أنتقل من قناة إلى أخرى وأرسم في مخيلتي أسوأ السيناريوهات..لكن الواقع فاق الخيال بكثير، فقد تمت مهاجمة السفينة والحصيلة الأولية قتيلان.. تسعة... 16 على الأقل.. لا بد أنها مجزرة.. كنت أشاهد مذهولة والدموع تنهمر بغزارة وجسدي يهتز من الحمى التي أصابتني فجأة وأردت أن أستفيق من ذلك الكابوس، ولا أود التصديق بأن زوجي هناك..بين أيدي أعداء الله الذين لا مكان للرحمة أو الإنسانية في قاموسهم. ولم تهدئني إلاّ آيات قرآنية. وبقيت على ذلك الحال ساعات عديدة أبحث فقط عمّن يطمئنني، قبل أن يتصل بي أحد زملائه ويخبرني أن مصادر شبه رسمية أكدت له أن الوفد الجزائري لم يصب بأذى. هدأت قليلا لكن الخوف كان لا يزال متمكنا مني بشأن ما سيفعله الإسرائيليون الجبناء وبقيت أتابع الأخبار وأجري الاتصالات إلى أن تأكدت فعلا بأنه بخير وبأنه سيكون ضمن الوفد الجزائري الذي رحل أمس ولم أصدّق حتى رأيته في التلفاز في حدود الرابعة فجرا وسمعت صوته بعدها بدقائق. وعندما سألوني بمزاح عما إذا كنتُ سأتركه يعاود الكرّة في قوافل أخرى، أجبتُ "إن كانت غزة نعم.. لكن هذه المرة لن يكون وحده، لأنني سأصرّ على مرافقته".