بينما يتزايد الغليانُ الشعبي بسبب استمرار تجميد أحكام الإعدام منذ أواخر سنة 1993 وما أفرزه من تفاقمٍ كبير للجريمة، تتعالى أصواتٌ نشاز من "حقوقيين" معزولين عن شعبهم، داعيةً الدولةَ إلى إلغاء أحكام الإعدام تماماً واستبدالها بالسجن مدَّة طويلة! هؤلاء "الحقوقيون" لم يخجلوا وهم يدّعون أن عقوبة الإعدام "همجية" و"عدوانٌ على الحق في الحياة" ليؤكّدوا بذلك تضامنهم المطلق مع القتلة المجرمين بدل أن يتعاطفوا مع ضحاياهم، ولسنا ندري كيف يُعَدّ تنفيذُ القصاص في حق مجرم قاتل "عدواناً على حياته" وهو الذي اعتدى على حياة شخصٍ آخر وسلبه إياها بلا رحمة أو شفقة؟ كيف يمكن أن يتضامن مثقفون يدّعون الدفاع عن "حقوق الإنسان" مع مختطِفي الأطفال ومغتصبيهم وقتلتِهم، ويزعمون أن إعدامهم "عدوانٌ على حياتهم"؟! وكيف يتطاولون على الله تعالى ويدّعون أن القصاص الذي شرّعه هو عقوبة "همجية" والعياذ بالله؟! أما الأدهى من ذلك، فهو أن يزعم أحدُهم أن القرآن الكريم يتضمن -والعياذ بالله- "تناقضا" حينما يقول "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب"، فكيف يكون في الموت حياة؟ مع أن معنى الآية واضحٌ لكل ذي لبّ وعقل؛ فالقصاص يطهّر المجتمع من المجرمين ويحميه من تكرار جرائمهم، ويردع الكثيرَ من المنحرفين ويمنعهم من قتل غيرهم خوفا من القصاص، وفي هذا حياة للمجتمع، بل وحياة حتى لهؤلاء الذين يحجمون عن ارتكاب جرائم قتل خوفاً من القصاص، فلا يقتُلون ولا يُقتَلون، ولكن هذه الحكمة الربانية من القصاص لا يفهمها إلا الذين وصفتهم الآية الكريمة بذوي الألباب، وهذا المتعالم ليس منهم. مغالطةٌ أخرى حاول هؤلاء "الحقوقيون" الذين عقدوا ندوة للمرافعة لصالح إلغاء عقوبة الإعدام، تسويقَها؛ إذ نصّب بعضُهم نفسه فقيها لا يُشقُّ له غبار وراح يصف دعاة القصاص بأنهم لا يُحسِنون تفسير القرآن الكريم الذي يحثّ على العفو والرحمة أكثر من القصاص، ومن ثمة فقد طالب رئيسَ الجمهورية بإعلان العفو عن نحو 500 محكوم عليه بالإعدام، وهذا في الواقع تضليلٌ سافر للبسطاء من الناس؛ إذ أن الإسلام منح حق العفو عن القاتل لأهل القتيل وحدهم، مقابل ديَّةٍ يدفعها وأهلُه لهم، ولم يمنح هذا الحقَّ للحاكم، فعن أيّ عفو رئاسي يتحدّث هذا "الحقوقي" وهو حق مكفولٌ دينياً لذوي القتلى وحدهم، فإذا شاءوا قبلوا الديّة مقابل العفو عن القاتل، وإذا رفضوا وجبَ على الدولة تنفيذُ القصاص حتماً؟ ولماذا يتعالم ويُقحِم نفسه في مجالٍ غير اختصاصه ويتجاوز كل فقهاء الجزائر والعالم الإسلامي؟ بقي أن نقول فقط لرئيسة فرع منظمة العفو الدولية بالجزائر، بعد أن زعمت أنّ الإعدام هو "أكبر جريمة ضد الإنسانية؟!": الجريمة الحقيقية هي أن يقوم مجرمٌ بقتل ضحيته بدمٍ بارد، ثم يُسجَن سنوات معدودة يعود بعدها إلى المجتمع ويسير متبجّحا مستفزا أهلَ ضحيته، وقد تكون الضحية طفلا ضعيفا اختطفه وانتهك عرضه، ثم قتله بوحشية ورمي جثته للكلاب.. هذه هي الجريمة التي كان يجب أن تشعروا بالخجل والعار وأنتم تدافعون عن "حق مقترفيها في الحياة" عوض أن تدافعوا عن الضحايا!