رغم مساعي القائمين على المجال الفلاحي بولاية الوادي، بزيادة مساحة الرُقعة الزراعية، واشتراط تخصيص جزء من أراضي الاستصلاح لزراعة النخيل والأشجار المثمرة، إلا أن واقع واحات النخيل والغيطان ''البعلي'' في تناقص مستمر، مما يهدد هذه الثروة بالزوال، ما ينعكس على إنتاج التمور سلبا. وتعتبر غيطان النخيل، التي أنشأها الرجل السوفي في الزمن القديم، من الابتكارات الإنسانية الفريدة من نوعها، حيث تعتمد على نظام سقي ذاتي من اختراع رجل المنطقة، أين يتم حفر مساحات شاسعة ومتوسطة وصغيرة، حسب قدرة كل فلاح إلى أن يصل للماء، وبعدها يتم غرس النخيل وبعض المزروعات الأخرى، وبذلك دخل نظام ''غوط النخيل'' في التنمية المستدامة، حسب منظمة الأغذية ''فاو'' التابعة للأمم المتحدة، حيث إن الغوط جعل الحياة تستمر في منطقة قاحلة من الصحراء الكبرى. ومن أهم أسرار اعتماد رجل المنطقة القديم، على إنزال الفلاحة بأكملها للماء، بدل حفر بئر ورفع الماء على السطح من أجل السقي، هو الطبيعة القاسية والمناخ المتقلب، الذي يحتم على الفلاح الذي لا يزرع في الغوط، السقي مرتين في اليوم، ومن يتهاون أو يقصر في ذلك يجد ما زرع قد مات ويبس، عكس المناطق الأخرى ذات التربة الطينية، التي يتم سقيها مرة في الأسبوع، أما مزروعات الغوط فلا يتم سقيها، لأنها مغروسة على بعد سنتمترات من الماء. وعرفت غيطان النخيل في فترت الثمانينات، موت بالجملة بسبب ظاهرة صعود المياه، ولم يبقى منها إلا القليل في بعض القرى البعيدة، والتي عرفت هي الأخرى خطر تغوّل زراعة البطاطا، التي هددتها بالزوال، لولا رفع عدد من الشيوخ ملاك الغيطان مطالب بحمايتهم من زحف المساحات المسقية، التي تسببت في غور المياه وعطش نخيل البعلي ذو التمر رفيع النوعية والمذاق المميز، وهو ما دفع بالسلطات المحلية إلى اتخاذ قرار حماية الغوط ومنع زراعة البطاطا في المناطق القريبة من غيطان النخيل. كما أدى عزوف الشباب عن خدمة النخيل، وتحول الاهتمام الأكبر للفلاحين، لزراعة البطاطا والطماطم والثوم والبصل، وغيرها من الزراعات، ذات الربح السريع، والعمل اليسير والتكلفة المنخفضة مقارنة بإنتاج التمور إلى إهمال النخيل والغيطان، لدرجة انتشار مقولة، ''إذا مات شيخ، مات غوط''. كما يشتكي الكثير ممن مازالوا يتمسكون بغراسة النخيل وإنتاج التمور، من عزوف أبنائهم عن خدمة الغوط، حيث كان في القديم، يتعاون جميع أفراد الأسرة في أعمال الحقل، مما يجعل كلفة إنتاج التمر زهيدة، أما اليوم فإن أصحاب الغيطان يستأجرون أشخاصا للقيام بالأعمال الخاصة بتلقيح النخيل ''التذكير''، ثم جني المحصول، أو ما يسمى ب ''النقاية'' ثم المرحلة التي تليها وهي ''القطع''، وفي الأخير تنظيف النخلة من الجريد اليابس ونزع التمر الذي يسقط بين الجريد الأخضر، وهي عملية تسمى ب ''التنفير''، وكل عملية تكلف مبالغ باهظة تصل لألف دينار جزائري للنخلة، عن كل عملية، بالإضافة لنقص اليد العاملة في هذا المجال، أين يتأخر جني التمور في بعض الغيطان لغاية الموسم الذي يليه، وهو ما يجعل تكلفة إنتاج التمور باهظة للغاية، فضلا عن غلاء فاتورة الكهرباء، بالنسبة لمزارع النخيل التي تعتمد نظام السقي الحديث، أما عملية فرز التمور وتعبئتها في صناديق أو علب من أجل التسويق، فمشاكلها لا تعد ولا تحصى، حسب عدد من الفلاحين الذين يرغبون في بيع منتوجهم بأنفسهم للمستهلك دون دخول أي وسيط في حلقة إنتاجهم، ممن قالوا إنهم يبخسون حقهم ويشترون منتوجهم بأثمان زهيدة ويبيعونه بأثمان خيالية. ومن جانبهم بعض الشباب ممن يستأجرهم الفلاحين، ''للتذكير'' و''النقاية'' و''القطع''، فقد برروا مطالبتهم أثمان باهظة مقابل الخدمات التي يقدمونها للفلاح، على أساس أن صعود النخيل لاسيما الشاهق منه، يعتبر أمرا خطيرا، وإذا سقط أحدهم من النخلة فإن مصيره الموت أو الإعاقة، في حين أنهم غير مؤمنين، وعليه فإنهم يطلبون الثمن الباهظ نظير الخدمة الخطيرة التي يقومون بها. وطالب العديد من الفلاحين وشيوخ الغيطان من السلطات إعادة النظر في المنظومة الزراعية الغوط، وإعادة بعثها من جديد، قبل أن تندثر وتزول، وتذليل صعوبات الإنتاج وتكلفته التي تزداد عاما بعد عام، مما سيرغمهم قهرا على التخلي عنها، فيما اعتبروا أنه لا مفر من العودة لنظام الغوط، لأنه يضمن التنمية المستدامة، بداية من المحافظة على الثروة المائية وحق الأجيال القادمة فيها، وكذلك حفاظها على البيئة، وخلق مناخ مميز داخل الواحة، كما أنه يجعل النخيل ومختلف المزروعات تقاوم صعوبة المناخ وتقلبات الطبيعة في أصعب صحاري العالم من حيث التقلبات الجوية وقساوتها.