يستعد ولأول مرة سكان قرى وبلديات البويرة للاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة يناير 2968 في أجواء مميزة، وهذا بعد تحقيق مطلب جعل رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً ويوم عطلة مدفوع الأجر، والذي يعتبر تتويجا لنضالات ومطالب الحركة الأمازيغية من جهة، ومن جهة أخرى، تأكيدا على المشروعية الثقافية والعلمية والحقوقية للمطلب، ما جعل لجان القرى والسلطات المحلية تستعد للاحتفال بيناير بشكل لائق يليق بحجم هذا الحدث التاريخي، ولما له من قيمة ودور بالنسبة للأمازيغ. غير أن الطقوس المعتمدة للاحتفال برأس السنة الأمازيغية، تختلف من منطقة لأخرى فببلدية أهل القصر تقوم جمعية أمازيغ بالتنسيق مع جمعيات تالويث، الإحسان، تادوكلي ثافاث باحتضان احتفالات يناير 2968، لمدة 4 أيام كاملة وذلك ابتداء من 10 جانفي إلى 13 جانفي، يتم خلال التظاهرة الثقافية تقديم برنامج ثري للزوار، حيث سيتم بالمناسبة تنظيم مهرجان الجبة القبائلية لأول مرة بالمنطقة، وسيتم استقبال عديد أنواع الجبات من ولايات تيزي وزو، البويرة، بجاية، بومرداس، كما سيتم عرض كل أنواع الفضة القبائلية كفضة الأربعاء ناث إيراثن وأث يني، كما سيتم تكريم عديد الشخصيات الثقافية والفنية الذين خدموا الأمازيغية. ويعد يناير إرثا تاريخيا في ذاكرة منطقة القصر وبالمناطق الأخرى، وهو اليوم الذي يلتقي فيه الأهالي والقرويون عبر ولائم، إذ تجتمع العائلات في ولائم كبيرة حول مائدة طعام يكون طبق الكسكسي المحضر بالدجاج سيد المائدة، وهو تقليد دأب عليه سكان المنطقة، كما تردد فيه العجائز أهازيج وشعارات من التراث تعبيرا عن الأمل، ويدمجون بعض المقاطع تشيد بانتصار ملك الأمازيغ على الفراعنة حسب ما ترويه الروايات، لذلك يعود هذا الاحتفال إلى انتصار الملك البربري ''شاشناق'' على الفراعنة عام 950 قبل الميلاد وذلك ردا على تحالفهم مع الرومان لاستهداف الأمازيغ. من جهة أخرى، يحرص سكان مشدالة، أحنيف، الأصنام، حيزر وغيرها على تحضير وجبات خاصة للمناسبة أشهرها طبق الكسكسي بالخضر ويكون بلحم الدجاج المحلي، فيما تقوم بعض العائلات بتحضير الكسكسي بسبعة أنواع من الخضر أو أكثر ويستحضر اللبن ويتم إعداد الغرايف والبيض المسلوق والبركوكس، ويعتبر هذا اليوم فرصة لتجمع الأسر حول مائدة واحدة، وخلال السهرة العائلية التي يلتف فيها الجميع على الجدة، التي تشرع في سرد حكايات، وأساطير توارثها الأجداد جيلا عن جيل، بطريقة مشوقة جدا وبأسلوب يأخذ ببال المستمع إلى عالم آخر، ما يجعله متفاعلا نفسيا مع مراحل هذه الأساطير المليئة بمعاني التشبث بالأرض والدعوة إلى فعل الخير ومساعدة المحتاج، وغيرها من القيم الإنسانية والأخلاقية التي تحتوي معانيها مثل هذه الأساطير كحادثة انتصار الملك الأمازيغي شاشناق على فرعون مصر وذلك أربعة قرون قبل الميلاد. وحيكت حول الحدث أساطير تختلف من منطقة إلى أخرى ترسخت في مخيلة سكان المنطقة ككل، فمنهم من يربط العيد الأمازيغي بالعجوز التي سبت شهر يناير ولم تكترث له، وفضلت إخراج قطيع غنمها لترعاها، متحدية قوة الطبيعة، ففوجئت بعاصفة ثلجية جمدتها هي وغنمها، ومن ثمة بات ذلك اليوم يوما يُحتفى به، في تاريخ الأمازيغ، فيما تقول أسطورة ثانية إنه يحتفل به الأمازيغ ليبارك موسمهم الفلاحي لارتباطهم بأرضهم فيما جاء في أسطورة ثالثة وهي الأقرب إلى الحقيقة، حسب عدد من المؤرخين في بلدان المغرب، وهي انتصار الزعيم الأمازيغي شاشناق على رمسيس الثاني، فرعون مصر. وتختلف مظاهر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الجديدة من منطقة لأخرى بقرى ومداشر تغزوت يقوم عادة الرجال ليلة الاحتفال بيناير بوضع قصب طويل في المزارع والحقول حتى تكون غلال السنة الفلاحية الجديدة جيدة وتنمو بسرعة، حيث تعتبر رأس السنة الأمازيغية بالنسبة للسكان تقليدا مرتبطا بالطبيعة وبالموسم الفلاحي، وتشير الطقوس إلى مدى ارتباط الإنسان الأمازيغي القديم بأرضه ومدى اندماجه في الطبيعة من خلال ممارسة بعض التعبيرات التي يرجى منها إبعاد شبح الجوع والتماس أسباب الخير والسعادة التي لا تكون بالنسبة للإنسان الأمازيغي إلا بوفرة المحاصيل، فبداية العام تشكل نهاية وخاتمة للمؤونة الماضية أو العولة وبداية التحضير للمحصول القادم. وإلى جانب تحضير الأطباق الشهية والاحتفال مع الأطفال، يتميز يناير بقرى البويرة بتوزيع الأكل على الفقراء والمساكين، حيث تجتمع العائلات الميسورة في بيت واحد وتجمع الأموال وتحضر الأطباق خاصة الكسكسي وأثناء تحضيرها تبدأ النسوة بترديد الأغاني القديمة، وبعد الانتهاء يتم توزيع المأكولات في شكل حصص متساوية على الفقراء ويطلق عليها اسم "الوزيعة"، ورغم اختلاف العادات والتقاليد بين قرية وأخرى إلا أن سكان البويرة يحتفلون بحلول رأس السنة الأمازيغية الجديدة من دون استثناء، ويتضامنون فيما بينهم لخلق جو من الرحمة والمحبة يلمسها المرء عبر الشوارع بين الناس الذين نجدهم في هذا اليوم يتبادلون الهدايا والتمنيات بقول كلمة "أسقاس أمقاس" وتعني عام سعيد.