تجار البويرة، برج بوعريريجوسطيف يحنّون إلى طرقات زمان اكتشف الجزائريون نعمة الطريق السيار شرق غرب، حيث أحس الناقلون بقيمة هذا المشروع العملاق، لكن بالمقابل هناك فئة لم يخدمها هذا الطريق الذي تحول بالنسبة إليهم إلى نقمة أثرت على مصدر رزقهم وحولت حياتهم إلى جحيم. المتذمرون من الطريق السيار هم أصحاب المطاعم ومحطات الخدمات الذين يعتبرون المشروع عدوا لهم، ويقولون بصريح العبارة: "ليته لم ينجز"، والاكثر من ذلك فهم يترحمون على الطرق الوطنية الكلاسيكية التي كانت أفضل محضن لنشاطهم التجاري، فهؤلاء كانوا يتموقعون على الطريق الوطني رقم 5 الذي يربط العاصمة بولايات الشرق والذي اشتهر بحيوته باعتباره معبرا رئيسيا يشهد يوميا مرور حوالي 40 ألف مركبة. وهو الفضاء الذي خلق نوعا من الحميمية بين مستعمليه وأصحاب المطاعم الذين اعتادوا على زبائنهم طيلة السنوات الماضية، وإذا كانت القاعدة عند التجار تقول بأن الزبون هو الملك، فعند هؤلاء المسافر هو الملك، لأنه يكاد يكون مصدر رزقهم الوحيد سواء تعلق الأمر بالمسافرين على متن الحافلة أو سيارات الأجرة أو الشاحنات أو السيارات الخاصة. وقد تطورت هذه العلاقة الحميمية إلى حد الاتفاق بين الطرفين، كما هو الشأن مع سائقي الحافلات الذين أبرموا عقدا معنويا مع أصحاب المطاعم، ينص على ضرورة تقديم عناية خاصة لسائق الحافلة ومساعده، فتقدم لهما الوجبات مجانا وأحيانا في قاعة خاصة، وهو التعامل الذي خلق حميمية بين الطرفين الى درجة أن بعض سائقي الحافلات وأصحاب المطاعم اندمجوا وتصاهروا وكونوا روابط دموية جمعتهم بفضل الطريق الوطني رقم 5. المشكل حاليا هو أن هذه الحميمية زالت، لأن الطريق السيار دخل حيز التشغيل وبالتالي وقع الطلاق كرها بين الاثنين، والكارثة كانت كبيرة بالنسبة للمطاعم ومحطات الخدمات، خاصة تلك التي تقع في مناطق همشها الطريق السيار ولم تستفد من محولات تسمح للمسافرين بالدخول إليها. ويتعلق الأمر على سبيل المثال بمناطق تابعة لولايات البويرة وبرج بوعريريجوسطيف ومحطة عمر والقادرية ومايو وبشلول والمهير والمنصورة واليشير وسيدي مبارك والمهدية وعين أرنات وعين زادة وغيرها من المناطق التي انعدمت بها حيوية الإطعام والاستراحة والتزود بالوقود. والجدير بالذكر أن بعض المطاعم والمحطات بهذه المناطق اضطرت إلى الغلق بصفة نهائية لأن الطريق السيار خطف منها الزبائن، فبمنطقة سيدي مبارك التابعة لولاية البرج، كانت هناك مطاعم مشهورة يقصدها المسافرون وتتوقف عنها الحافلات، لكنها اليوم انسحبت من الساحة وبعضها غير النشاط، لأن السيار غربلها ولم يرحمها. وأما منطقة اليشير فهي مشهورة بالنوعية الجيدة للشواء ومختلف أنواع اللحوم، الى درجة أن أغلبية المسافرين يبرمجون أنفسهم للتوقف بهذا المكان لتناول الغداء أو العشاء حيث أن هذا الموقع لا تكاد ترى فيه إلا المطاعم وباعة اللحوم، فعلى مسافة 300 متر هناك أكثر من 50 مطعما، وحسب ما حدثنا به البعض فإن نقمة السيار كانت جزئية، لأنها مست على الخصوص المطاعم الموجودة على الضفة الشرقية، بينما أصحاب الضفة الغربية فقد نجوا من الكارثة، لأن محول الطريق السيار يصب عندهم وبالتالي فإن الحيوية تتوقف عند هذه الجهة، بينما تحولت الجهة المقابلة إلى قفار. وهو الأمر الذي أكده لنا صاحب مطعم سلسبيل باليشير، الذي يقول صاحبه: "عند فتح الطريق السيار عرفنا تراجعا رهيبا في البداية، لكن عند انجاز المحول تفطن المسافرون إلى إمكانية استعملاه للدخول الى اليشير، واستعدنا بذلك حيويتنا وهناك حتى من يتنقلون من سطيف والعلمة عبر السيار لتناول العشاء باليشير" بعبارة أخرى المحوّل هو شريان الحياة بالنسبة لهؤلاء، ومن ليس له محول ما عليه إلا أن يحول النشاط، ومن خلال رحلتنا عبر هذا الخط المنتمي للطريق الوطني رقم 5 وقفنا فعلا على بعض المطاعم التي جمدت نشاطها، وامتد الأمر إلى بعض المحطات التي علقت كل شيء و توقفت عن تقديم مختلف الخدمات، وكما قال احدهم "لم يبق لنا مكان في هذا الطريق". واذا كانت الأغلبية قد انسحبت بشرف، فإن الأمل لازال يراود البعض للحصول على موقع عند حافة الطريق السيار خاصة أن الساحة بكر، والأرضية لازالت مفتوحة والحديث جار عن فتح محطات متعددة الخدمات، لكن حسب ما تم الإعلان عنه فإن هذه المحطات ستكون بالشراكة مع المؤسسة الأجنبية "توتال" المختصة في هذا الشأن، وهو الأمر الذي اقلق هؤلاء، حيث صرحوا لنا في حالة اللجوء إلى شريك أجنبي فإنه سيفرض سياسته على الجميع، وكراء المحلات سيكون بأثمان باهظة لا يقدر عليها أغلبية التجار، وأما من يفضل المغامرة، فسيضطر إلى رفع سعر الوجبات الغذائية وسيكون ذلك سببا في تنفير الزبائن، وبالتالي فإن فكرة الشريك الأجنبي لن تخدم أحدا. هذه المشكلة لم تعد تعني أصحاب المطاعم فقط، بل هناك العديد من التجار معنيون بالعملية، كأصحاب المقاهي وورشات الميكانيك وكهرباء السيارات واصلاح العجلات وحتى أصحاب الأكشاك، فكل هؤلاء دخلوا في عطلة غير مدفوعة الأجر، فرضها عليهم الطريق السيار الذي ألحق بهم الضرر رغم أن فائدته عمت على الجميع.