خلقت مواقع التواصل الاجتماعي والأجهزة الالكترونية المتطورة كالهواتف النقالة والألواح والكومبيوتر المحمول جدرانا عازلة تفصل أفراد العائلة الواحدة عن بعضها البعض، ليبحر كل واحد منهم في فضائه الخاص جدا، رافضا اقتحامه من قبل أي كان، وتغيب بذلك لغة الحوار والتشارك في الحديث عن يومياتهم والمشاكل التي يصادفونها وكيفية تجاوز العقبات وكذا التخطيط للمستقبل. الأب في غرفته يمسك بالهاتف النقال ويراقب كل المستجدات في صفحته على "الفايسبوك"، وزوجته في المطبخ منشغلة بالتحدث مع صديقاتها الافتراضيات وتتابع أحدث الوصفات وتقوم في نفس الوقت بتحضير وجبة العشاء، فيما ينغمس الطفل الصغير العائد من المدرسة بعد يوم متعب في لوحته الالكترونية أو التلفاز باحثا عن الدفء العائلي الذي يفتقده وعمن يشاركه اهتماماته وانشغالاته، لأن والديه أقرب الناس إليه في عالم آخر، إنه المشهد الذي بات يتكرر يوميا فما إن تفتح باب أحد المنازل وتدخل إليه، إلا ووجدت جميع أفراده في عالم آخر بعيد كل البعد عن واقعنا يحتضنون أجهزتهم ويرسمون أحلاما وردية وعالما يعيشون فيه، وكانت مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها "إنستغرام، تويتر، فايسبوك" في ظل الإقبال الكبير على هذا الأخير، خصوصا من قبل الفئات الشابة، حيث كشفت دراسة لوكالة "أنترفايس ميديا" عن وجود أزيد من 21 مليون حساب في الجزائر، تسببت في التواصل المستمر والسعي للحضور الدائم على هذه المواقع في حدوث ما يشبه قطيعة بين أفراد العائلة الواحدة، فيتشاركون المنزل، لكنهم لا يلتقون إلا لماما لتناول الطعام، هذا إن لم يفضل كل منهم تناوله بعيدا عن الآخرين، وتتسع الفجوة أكثر عندما تنقطع صلة الرحم ويجد كبار السن ممن لا يجيدون استعمال هذه التقنية في عزلة تامة عن محيطهم.
مونية دراجي: طلاق عاطفي وعزلة للأطفال في بيوت الجزائريين وفي هذا الصدد، ترى المختصة في علم النفس، الدكتورة دراجي مونية أن مواقع التواصل الاجتماعي شيّدت لكل شخص عالما افتراضيا خاصا به يعيش فيه، فيبتعد بذلك عن أرض الواقع وعن التفكير المنطقي، بل وقد يدخل في متاهات أخرى كميله للعزلة عن العالم الخارجي ليصبح الفرد، خصوصا إذا كان طفلا قليل الانتباه والتركيز وغير مدرك لما يدور حوله، وهو أشبه بكثير لحالة مرضى التوحد لكن هذا النوع يصنعه الإنسان بنفسه. وأكدت المختصة دراجي أن الاستخدام الكثير لمواقع التواصل الاجتماعي يفقد مستعمليه القدرة على التواصل مع الأشخاص الحقيقيين حتى أهلهم وذويهم لا يتمكنون من الحديث إليهم والاتصال بهم، كما يكونون عرضة لخفض قدراتهم النفسية كتقدير الذات، المواجهة، القدرة على حل المشكلات، فهذه الوسائل تجعله يعيش في عالم من خياله، فهي تنشط الشق الأيمن من الدماغ المسؤول عن الخيال أكثر من الشق الأيسر الواقعي. وتساهم هذه المواقع بحسب المختصة النفسانية في توليد نوع من الجفاء العاطفي بين الأب والأم والأطفال، فلا يعرف آبائهم شيئا عنهم ولاعن التغيرات التي تطرأ في سلوكهم ولا حتى مشاكلهم كالإدمان الرقمي نتيجة العزلة، ولا يكون لأهلهم أي إطلاع على ما أصابهم وما وصلت إليه حالتهم، فالجفاء يكون أكثر ويتحول الإنسان إلى آلة وتموت معه العاطفة فلا يصبح بإمكانه العمل، الدراسة كالقيام بواجباته المنزلية، يعيش بدون أهداف كل طاقته وتركيزه يهدرها في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما ساهم في الطلاق العاطفي وسط الأزواج وعزلة للأطفال.
الهادي سعدي: المواقع الافتراضية عزلت الجزائريين وسجنتهم يرى المختص في علم الاجتماع، الدكتور سعدي الهادي أن الأفراد أصبحوا رهائن مواقع التواصل الاجتماعي، فالضغط المادي الذي نعيشه على أرض الواقع لم يمكنهم من إنشاء علاقات اجتماعية طبيعية وصداقات، فيجد نفسه يفضل إنشاء صفحة على هذه المواقع لاختصار الوقت في الاتصال، فهذا الضغط المادي دفعهم للاستسلام للمواقع، وأضاف الدكتور سعدي أن هذه الوسائل توفر لمستعمليها تحررا من المسؤوليات بدلا من التواصل المباشر "التخلي عن المسؤولية"، فعندما يكون هناك اتصال مباشر يكون المتصل مجبرا على مد يد المساعدة والتدخل، ولكن في المواقع الافتراضية لا توجد أي مسؤولية أو تخلق نوعا من المسؤولية الافتراضية والدور الافتراضي فقط حتى عند كتابة الرأي يكون صاحبه متخفيا وراء اسم آخر.
يونس قرار: الجزائري يقضي 3 ساعات على مواقع التواصل رفض المختص في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، يونس قرار تحميل مواقع التواصل الاجتماعي بمفردها مسألة العزلة العائلية، بل بعض الوسائل الأخرى كأجهزة التلفزيون، الألعاب الالكترونية، فقد باعدت بين الناس وبددت الأجواء العائلية وزادت الأمور تعقيدا والمشكل لا يطرح على مستوى العائلات الجزائرية فقط بل عند العالم بأسره، فتجد أفراد عائلة واحدة جالسين إلى طاولة مشتركة وكل واحد منهم في عالمه الافتراضي. واستطرد المختص أن هذه التكنولوجيا فيها جوانب إيجابية فأفراد العائلة الكبيرة أصبحوا يتعارفون فيما بينهم ويتواصلون ويتبادلون الأخبار أي قرّبت المسافات، وهناك من أصبحوا ينشئون مجموعات عائلية لتبادل أخبارهم ومعلوماتهم وتهانيهم وتشارك الصور، ومن الأمور السلبية تسببت في ابتعاد أفراد العائلة القريبة جدا المقيمين تحت سقف واحد، وهذا يرجع حسب المختص دوما للمستعمل، فهناك من يتحكم فيها ويحدد أوقاتا خاصة لها وهناك من يظل يستعملها طوال الوقت فيفقد بذلك القدرة على تسييرها. وكشف الأستاذ قرار من خلال دراسة أن الجزائري يستخدم مواقع التواصل بمعدل 3 ساعات يوميا، ولكن الأخطر من هذا الألعاب الالكترونية التي تستغرق مدة طويلة، فيظل يلعب بها لفترة تتراوح ما بين 4 و5 ساعات.