اختتم القادة الأفارقة - أول أمس الثلاثاء - أعمال قمتهم الخامسة عشرة بالعاصمة الأوغندية كامبالا ببيان ركز على ضرورة الإسراع في تطبيق سياسات وطنية لصالح صحة الأم والطفل والرضيع في تناغم واضح مع قرارات مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى في اجتماعها الأخير بكندا نهاية الشهر الماضي، وهو الاجتماع الذي أسفر عن تخصيص ما قدره 7.5 مليار دولار لدعم صحة الأمومة والطفولة في إفريقيا، قرار كهذا لن يمر على الأفارقة دون أن يتم البحث في موضوع توزيع المبلغ بينهم بالصورة التي يظهر فيها الاتحاد الافريقي منسجما مع أهداف المجتمع الدولي وأهداف الألفية للأمم المتحدة. * وفضلا عن موضوع الأمومة والطفولة تناولت أعمال القمة الخامسة عشرة للاتحاد الإفريقي 13ملفا تتوزع على الموضوعات السياسية والأمنية والاقتصادية، إلا أن شعار القمة الخاص بإشكالية "رعاية الأمومة والطفولة" أنسى القادة الأفارقة هموم شعوبهم الرئيسية والتي تتجاوز جانب صحة الأم والطفل والرضيع الى جوانب محورية مثل: تراجع القدرة الشرائية للسكان، توسع رقعة الفقر، اخفاقات المشاركة السياسية، تراجع معدلات النمو، النهب المنظم لخيرات القارة، زهد الأنظمة الافريقية في ترقية التعليم والبحث العلمي وأخيرا طبيعة الحكم الافريقي الذي مازال يعمل على تفكيك النخب وتهميش المعارضة ومعارضة التجديد السياسي. فماذا يعني أن يقفز القادة الأفارقة على هموم شعوبهم الحقيقية؟ وقبل ذلك ماذا يعني الانسان الافريقي من كل الملفات التي مازال واضعو السياسات والخبراء في القارة السمراء يتفنون في صياغتها؟ ومتى يمكننا الحديث عن قمم افريقية ناجعة وذات جدوى؟ * إفريقيا الذهب والماس والفقر المصطنع جاء في تقرير خاص صدر شهر جانفي 2010 عن "مركز الأبحاث السياسية في وزارة الخارجية الاسرائيلية" أن القارة الافريقية مرشحة لأن تصير حلقة أخرى في الامبراطورية الاقتصادية التي تعمل اسرائيل على إنشائها في العالم. وبالفعل يشكل موضوع النهب المنظم للخيرات الافريقية وعلى رأسها الماس والذهب والنفط من قبل الشركات متعدية الحدود انشغالا محوريا لشعوب القارة دون ان يتمكن القادة الأفارقة من إثارة الموضوع بشكل عملي أو على الأقل الحد من الاستغلال الرأسمالي لمناجم الحجر الكريم في كل من سيراليون والكونغو وانغولا وافريقيا الوسطى لصالح اسرائيل وأمريكا. ونفس الشيء بالنسبة للحديد في غينيا حيث السيطرة الكاملة لشركة رجل الأعمال الاسرائيلي "شتاينمتس"، ومشروعات السيطرة على حقول النفط في كل من تشاد وغرب السودان - دارفور - ودلتا النيجر في نيجيريا. وفي المقابل سجلت آخر الاحصائيات ظاهرة عودة أمراض الفقر بين الشعوب الافريقية بشكل لافت، حيث جاء في تقرير أخير لمنظمة الصحة العالمية أن افريقيا تسجل سنويا من ألف الى 3 آلاف إصابة بالمرض التاريخي "الطاعون". وفي دراسة صدرت عن جامعة "أكسفورد" قبل أسبوعين جاء أن عدد فقراء افريقيا يبلغ حاليا 410 مليون ساكن. والرقم يعني45 بالمائة من سكان القارة، وبعملية حسابية بسيطة تختزن افريقيا وحدها 30 بالمائة من فقراء العالم وهو رقم مهم لا يزيد عنه سوى عدد فقراء شبه القارة الهندية. * آلية النيباد.. إلى أين؟ تأسست آلية الشراكة الجديدة من أجل تنمية افريقيا في "أبوجا" عام 2001 لتحقيق أهداف محددة هي التعاون الاقتصادي بين الدول العضوة، التنمية المستدامة، خفض وفيات الأطفال، رفع نسبة التمدرس ورفع نسبة النمو . وكأن منظمة الوحدة الافريقية وبعدها الاتحاد الافريقي لم يلعبا الدور الأكثر ملاءمة لتحقيق تلك الأهداف فضلا عن تحقيق حضور افريقي قوي في العالم خارج مناطق الاستغلال الرأسمالي، أسوة بالقارات الأخرى وخاصة القارة الآسيوية التي تشارك القارة السمراء كثيرا من الملامح الاجتماعية والثقافية. وبعد زهاء 10سنوات من اطلاق آلية النيباد لازالت الدول المؤسسة لها تبحث عن الاجماع في الوسط الافريقي، وفشل الجميع في حسم الملف الصومالي وفي تحقيق المصالحة في السودان وفي تحرير افريقيا من القواعد العسكرية الأجنبية. وحتى على الصعيد السياسي لا أحد من المواطنين في افريقيا صار مستوعبا لما يعرف بآلية "التقييم بين النظراء" مع أن مفردات الحكم الصالح لا تحتاج لأكثر من تطبيق الديمقراطية لتصبح نظاما قائما بذاته ويتذوقه الجميع. وعلى صعيد التعليم زاد عدد الأطفال المحرومين من التعليم ليصل الى 50 مليون طفل، أما النمو الاقتصادي فلا زال دون الأهداف المسطرة أي دون عتبة 7 بالمائة. ونفس الشيء يقال عن صناعة النخبة في افريقيا والتدوال على السلطة والمساءلة السياسية ومتابعة الأطراف التي مازالت تغذي النزاعات والصراعات والحروب وتعيق جهود المصالحة بين الأفارقة، والأمر يصير أقسى عند الحديث عن حجم الأموال التي يهربها الأفارقة خارج قارتهم ويكفي الرجوع الى تقرير "النزاهة المالية العالمي" لشهر أفريل الماضي لنعرف بأن الدول الأولى في تبييض وتهريب الأموال هي افريقية وبحجم تجاوز سقف 850 مليار دولار في أربعين عام . كيف يمكن للأفارقة أن يقتنصوا فرصا جديدة على سلم المساعدات الدولية، ومن يسمع لمطالبهم في هذا الاتجاه وهم أنفسهم لا يملكون أدوات فعالة لمكافحة الفساد المالي أو لتوطين المساعدات الخارجية في مجالات التنمية؟ * قرار واحد يكفي: الجامعة الافريقية وترقية التعليم شارك في قمة كمبالا مئات الكوادر من مسؤولين وخبراء وممثلي المنظمات المهتمة بالبرامج الافريقية. ويفهم من طبيعة الحضور أن افريقيا مازالت حاضرة في كل البرامج الدولية وأن الموضوع الافريقي لا يزال قبلة مفضلة للسياسيين في العالم، ليس لأن القارة تعاني من اخفاقات التنمية، ولكن لأنها ساحة ملائمة للتجارب الطبية والانثربولوجية وحتى الجيوستراتيجية، وإلا ماذا يعني أن يقفز عدد السكان الحاملين للايدز في افريقياالى مستوى 24 مليون نسمة؟ قرار واحد من قمة كامبالا كان يكفي لتفكيك اشكالية التنمية في القارة الافريقية: إطلاق جامعة افريقية متعددة التخصصات التنموية الملائمة للهدف الافريقي ترعى الكفاءات الافريقية وتؤسس لسياسات جديدة في مجال التعليم وتكون بمثابة المختبر الداعم للجهود السياسية التي تستهدف مستقبل أفضل لإفريقيا، رابع دولة افريقية من حيث التقدم تحتل جامعاتها الرتبة 7632 بين جامعات العالم، وليس هناك جامعة واحدة من افريقيا ضمن المائة جامعة الأولى في العالم. وتعكس مؤشرات التقدم العلمي في افريقيا أسوأ المؤشرات، حيث أفاد بحث نشرته دورية "القياسات العلمية" عن الأكاديمية المجرية في ماي 2009 أن نسبة مشاركة افريقيا في النشر العلمي في العالم لا تتعدى 1.8 بالمائة، وهو رقم قريب جدا من الصفر والرقم في أوربا يصل الى38.8 بالمائة . وضع كهذا لا يسمح بتحويل الأفكار الى برامج حقيقية ولاالخطب السياسية الى خطط عمل لأن الوقائع التاريخية أثبتت أن التعليم هو محرك التنمية وأن النخبة الوطنية المثقفة المشغولة بهموم أوطانها هي وقود ذلك المحرك، ولا فكرة جميلة تظل مفيدة خارج الاطار البشري الذي يؤمن بها ويطبقها. نعم، افريقيا غنية بميزاتها النسبية، فهي أول مناطق العالم من حيث الاستقرار في السوق النقدية ومعدل النمو فيها أفضل من الاتحاد الأوربي، ونسبة مديونيتها الخارجية الى ناتجها الداخلي الخام أفضل من أمريكا، وعلى مقياس الموارد البشرية افريقيا هي ثاني قارة من حيث عدد السكان بعد آسيا، برقم زاد قليلا عن 950 مليون، ومع ذلك لا أحد يعرف الى متى تبقى الهموم الحقيقية لشعوب القارة منسية وسط حضور لافت ضمن لعبة اسمها "لعبة الأمم".