مياه البحر تغمر اليابسة وتقترب من محطة الكهرباء وحي سكني يضم 300 عائلة وجد المسؤولون عن مشروع ميناء الصيد بجنات 45 كلم شرق ولاية بومرداس أنفسهم في حرج، مما آل إليه المشروع الذي أصبح مثالا لتبديد المال العام في مشاريع فاشلة، استهلكت أغلفة ضخمة ومازالت تضخّ لها أرصدة جديدة. وأكثر من ذلك، أصبح هذا المشروع يهدد بكارثة إيكولوجية بالمنطقة، وسط صمت رهيب للمسؤولين. * أكثر من 1200 مليار هي تكلفة إنجاز مشروع ميناء جنات الذي ولدت بذور فشله من رحمه، وقبل إنجازه. وقد أوكل المشروع الذي بدأت التحضيرات له سنة 2006 لشركة مصرية، تم التعاقد بين جيتراك وميديترام لتوريد 340 ألف طن من الصخور والأحجار. فيما قامت شركة المقاولون العرب بصنع 3300 كتلة خرسانية تزن الواحدة منها 14 طنا، و250 كتلة خرسانية تزن الواحدة منها بين 18-46 طنا، وهذا على مساحة 6600 م2 تخصّ ممرات المشاه. ورغم الشغف الكبير الذي سبق بدأ المشروع من جهة، والتحذيرات الكثيرة من طرف مختصين حول الفشل المحتمل للمشروع، إلا أن المصممين على الخوض في المشروع تمكّنوا من فرضه، لتنطلق الأشغال وسط ترقّب حذر. * الشروق كانت أول من أسالت الحبر حول الكارثة الإقتصادية والإيكولوجية التي سيخلّفها المشروع، غير أن المسؤولين حينها حاولوا تجفيف قلمها، من خلال رفض التشكيك في مدى نجاح المشروع قبل الإنتهاء منه، على أساس أن هذا الأخير قد خضع للدراسة، التي كانت نتائجها إيجابية. وقبل إعلان فتح المشروع، بدأت بوادر الفشل تظهر من خلال الترمّل الذي أصبح يغطي مدخل الميناء من كل جوانبه، مانعا أية حركة من وإلى داخل الأحواض، حاجزا العديد من سفن الصيد بالداخل. وكإجراء إستعجالي حاولت المصالح المسؤولة إنقاذ الفضيحة بتسخير آليات ضخمة كلّفت هي الأخرى ملايين الدنانير لاستخراج آلاف الأطنان من الرمال، وفسح المجال لبدأ نشاط الميناء الذي تحوّل إلى بورصة كبيرة لبيع الرمال، درّت أرباحا طائلة على مسيريها، وأسالت لعاب بارونات الرمال الذين اكتشفوا منجما جديدا لأكثر أنواع التجارة ربحا. * الوضع بشاطئ جنات الذي يعتبر أجمل شاطئ على تراب الولاية أصبح أشبه بورشة أشغال، حيث فقد طابعه الجمالي، وتراجع النشاط السياحي به، في حين لم ينعم الصيادون الذين أنجز المشروع لأجلهم بنعمة الصيد الهنيء التي كانوا ينعمون بها قبل إنجاز المشروع. * ولم تمض بضعة أشهر من عملية استخراج الرمال، حتى عاد الوضع على ما كان عليه، وهي الصدمة التي فجّرت الأوضاع، ووضعت القائمين على المشروع في حرج كبير. وأكثر من ذلك، فقد تبيّن أن التأثيرات الجانبية لهذا الفشل أسفر عن كارثة إيكولوجية، تتمثل في تقدم مياه البحر نحو اليابسة، مهدّدة تجمعات سكنية لحوالي 300 عائلة، فضلا عن المحطة الجهوية للكهرباء بالمنطقة، والطريق الوطني رقم 24 . فالبحر قبل إنجاز المشروع كان مستقرا على بعد حوالي 200 متر، قبل أن يتقدم بعدة أمتار نحو اليابسة، واقترب من بعض المنازل حسب شهادات سكانها بحي المحجرة. * السكوت الرهيب للسلطات العليا حول تبديد الملايير دون حساب، فتح المجال لعمليات تجميل فاشلة لتحفظ ماء الوجه، حيث تم قبل أيام جلب صخور لإنجاز رؤوس صخرية بقيمة 130 مليار إضافية قد لا تفي بالغرض.