فضل البقاء بعيدا عن الأضواء لمدة طويلة، بالرغم من أنه أحد أبرز رجالات الثورة الذين صنعوا الاستقلال، غير أن إثارة قضية وفاة استشهاد عبان رمضان، هدمت جدار الصمت الذي أحاط به نفسه، وخرج ليقول بأن الشهيد عبان راح ضحية تصلب مواقفه إزاء رفقائه في الجهاد..إنه سليمان بن طوبال المعروف باسم لخضر أو عبد الله، الذي انتقل إلى جوار ربه أول أمس. يعرف عن لخضر بن طوبال بأنه أحد الباءات الثلاث إضافة إلى عبد الحفيظ بو الصوف، وبلقاسم كريم، الذين كانوا يشكلون النواة الصلبة للثورة التحريرية، فقد كانت كل صغيرة لا تمر دون موافقة هؤلاء الثلاثة، وهو ما دفع بالجيش الاستعماري إلى العمل بكل ما أوتي من قوة وإمكانات للقضاء عليه ورفاقه. نفوذ الراحل وقوته داخل الثورة واستماتته من أجل دحر الاستعمار الفرنسي، مكناه من شغل مناصب بارزة ونوعية إبان الثورة التحريرية، مثل العضوية في لجنة التنسيق والتنفيذ، التي انبثقت عن مؤتمر الصومام في أوت 1956، والمجلس الوطني للثورة، وتعيينه وزيرا للداخلية في الحكومة المؤقتة، وكذا مشاركته في مفاوضات الاستقلال مع السلطات الاستعمارية في "لي روس" وفي "إيفيان". لخضر بن طوبال، أو"الشينوي"، كما كان يحلو لرفقائه في الجهاد تسميته، من مواليد عام 1923 بميلة، كان سباقا في الانخراط في صفوف حزب الشعب أثناء الحرب العالمية الثانية وهو شابا يافعا، ثم ما لبث أن انضم إلى المنظمة الخاصة (وهي الجهاز العسكري لحزب الشعب)، الأمر الذي مكنه من الإشراف على تنظيم الخلايا العسكرية لهذا الجهاز بالشمال القسنطيني. بعد إكتشاف أمر المنظمة الخاصة لجأ إلى جبال الأوراس هروبا من مطاردات الشرطة الفرنسية، وهناك تعرف على قياديين في حركة إنتصار الحريات الديمقراطية، من أمثال مصطفى بن بولعيد، القائد التاريخي للولاية التاريخية الأولى، رابح بيطاط. عمار بن عودة وغيرهم. حرصه وتفانيه في محاربة الجيش الاستعماري، وقربه الدائم من أبناء الحركة الوطنية وقادتها، مكنه من أن يكون أحد الأعضاء في مجموعة ال 22 التي خططت لاندلاع الثورة التحريرية، بحيث أشرف على العمليات الأولى بنواحي جيجل والميلية، كما كان من بين المؤطرين لهجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 رفقة الشهيد زيغود يوسف، التي جاءت بغرض فك الحصار الذي فرضه الجيش الاستعماري على منطقة الأوراس. كما أصبح الفقيد قائدا للولاية الثانية التاريخية، بعد استشهاد البطل زيغود يوسف في 1956 . ويعتبر الفقيد صندوق سر الثورة التحريرية بما يحوزه من معلومات سرية حول سبع سنوات من الحرب المدمرة ضد الاستعمار الفرنسي، غير أنه فضل التكتم عليها، غير أن مذكرات الفقيد التي تنتظر الطبع، كفيلة بالإجابة على الكثير من ألغاز الثورة التي لا تزال بحاجة إلى تفكيك. هذا، وتلقى النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد اليوم في حدود الساعة العاشرة، بمقر المنظمة الوطنية للمجاهدين الكائن ب 23 شارع غرمول بالجزائر العاصمة، على أن تتم الجنازة مباشرة بعد ذلك بمقبرة العليا. أحمد محساس: "بن طوبال كان مثالا في التضحية" يعتبر الراحل لخضر بن طوبال"أحد أركان الثورة التحريرية ورجالات الحركة الوطنية الصناديد"، بهذه العبارة لخص المجاهد لخضر محساس مسيرة الراحل إبان الحرب من أجل الاستقلال. يقول محساس "عرفت لخضر بن طوبال قبل وأثناء وبعد الثورة.. كان مناضلا قويا وجديا، عرفت عنه الثبات على المواقف رغم المصاعب التي واجهته". وأضاف محساس في اتصال مع "الشروق" أن معرفته بالرجل تعود إلى مرحلة ما قبل الثورة عندما انتقل للعمل الثوري في قسنطينة، وهناك يقول المتحدث إنه وقف على خصال فريدة قلما تجتمع في الشخص الواحد، مشيرا إلى أن الفقيد "أدى واجبه، وقدم ما يجب من التضحيات، التي بفضلها ننعم اليوم بالاستقلال". لمين خان: بن طوبال كان عملاقا وعاش بسيطا وصف الأمين خان، رحيل المجاهد لخضر بن طوبال بالخسارة الكبيرة للجزائر، واعتبر الفقيد أحد عمالقة ثورة التحرير، بالنظر لما قدمه للجزائر من تضحيات. وقال خان في اتصال مع "الشروق" معلقا على وفاة بن طوبال "كان الراحل عملاقا من عمالقة الثورة الأوائل، حضر اجتماع ال 22، ومؤتمر الصومام، ورئيسا للولاية الثانية، وعضوا لمجلس التنسيق والتنفيذ ووزيرا للداخلية في الحكومة المؤقتة". وأضاف لمين خان مثنيا على خصال الفقيد "بن طوبال كان على قدر كبير من الذكاء، ومع ذلك عاش بسيطا"، لافتا إلى أن الرجل تعرض للظلم في الأيام الأولى للاستقلال، عندما سجن في 1962. ومن المواقف الطريفة التي وقعت لبن طوبال، كما جاء على لسان لمين خان، الحادثة التي وقعت له بالصين نهاية الستينيات، حيث قال للصينيين بأن الجزائريين فقدوا مليون شهيد، غير أن ذلك لم يثر الصينيين، ما اضطره للقول بأن المليون في الجزائر يعادل 60 مليونا في الصين، بمقارنة سكان البلدين، وهو ما اندهش له أبناء ماو تسي تونغ. وتأسف المجاهد ورفيق الفقيد في الجهاد بالولاية التاريخية الثانية، لمين خان، للاهتمام الذي عادة ما يخص به رجالات الثورة بعد وفاتهم، ومنهم بن طوبال، الذي عانى من المرض لمدة عشرين سنة، متسائلا إن كان الفقيد قد لقي من العناية ما يوازي الاهتمام الذي لقيه بعد وفاته.