هل يحق لنا أن نتعامل مع لاعبي المنتخب الوطني كشياطين أو أن ننظر إليهم كأنهم ملائكة.. بين الاثنين فإن واقع الحال يؤكد بأن اللاعب إنسان غير منزه عن الخطأ، فارتكاب أي لاعب خطأ بسيطا قد يكون بمثابة جرم لدى البعض بينما يعتقد آخرون أن اللاعب لا يتمتع بحرية شخصية أو هامش للتعبير عن مكنوناته. * يعاني الكثير من اللاعبين بعد أن وصلوا مرحلة النجومية وهم في مقتبل العمر في وسط أجواء الشهرة والأموال الطائلة التي قد تدفع الشاب المسلم أصلاً للابتعاد عن دينه، فما بالك بشباب ولدوا في بلاد غير إسلامية وأمامهم كل مغريات الحياة واللهو والانفلات، لكنهم اختاروا الإسلام وحياة الالتزام التي باتت واضحة جداً على حياتهم اليومية ومسيرتهم في الملاعب، لذا فإنه من الغريب ان تحاول بعض الأطراف التطاول على المنتخب الجزائري مستعملة أساليب غير لا أخلاقية بحجة حرية إبداء الرأي. * * طفولة صعبة للاعبي "الخضر" في فرنسا * نجوم عادوا إلى جادة الصواب بفضل الإسلام والتقاليد الجزائرية * * الذي لا يعلمه الكثير هو أن لاعبي المنتخب الوطني عاشوا طفولة صعبة في فرنسا بسبب أنهم من أسر مهاجرة، فكانوا ضحية للتهميش وربما هو الحافز الأساسي الذي كان وراء تألقهم. * وعاش اغلب لاعبي المنتخب الوطني طريق الانحراف في مراهقتهم بسبب الأوضاع المزرية التي عاشوها في فرنسا، لكن مع ذلك فقد حافظوا على التقاليد الجزائرية والإسلامية في فرنسا والتي كانت سببا في تحديهم لهذه الظروف. * * بوعزة من الانحراف إلى التألق * * يعد عامر بوعزة مثالا لهؤلاء اللاعبين الذين عانوا الويلات في أحد أفقر الأحياء بالعاصمة الفرنسية ايفري، فتحدى الظروف والأوضاع المأساوية، لكن طفولته كانت صعبة للغاية ما جعله يندمج في عصابات تقوم بتصرفات طائشة. * لكن كرة القدم أبعدت بوعزة عن الانحراف بفضل مواهبه، إذ انتقل في سن مبكرة إلى واتفورد، ومنها بلغ النجومية في فرق مختلفة منها فولهام وبرمينغهام وبعدها بلاكبول قبل أن يحط الرحال بارل افينيون. * ويعرف عن بوعزة التزامه، فهو مداوم على أداء الصلوات، بالإضافة إلى أخلاقه وروحه المرحة التي أضفت أجواء خاصة على المنتخب الوطني. * * جبور صورة للاعتدال والالتزام الديني * * ولا تختلف طفولة رفيق زهير جبور كثيرا عن زميله بوعزة، فقد كانت صعبة للغاية كأترابه من أبناء الجالية، لكن اللاعب الحالي لأيك أثينا اليوناني كان كالولد الطائش لعائلة أنبته نباتا حسنا وربما كان للظروف المحيطة تأثير على اللاعب. * ويحكي اللاعب نفسه اليوميات التي عاشها والمصاعب التي واجهته في فرنسا، لكن بالمقابل فإن جبور كان أحد المواهب الشابة في فرنسا وخاصة في مدرسة فريق اوكسير التي قدم فيها لمحات كبيرة وكان هدافا من طراز رفيع. * ووصف المدرب غي رو آنذاك جبور باللاعب المميز، لكنه صاحب التصرفات الطائشة والتي جعلته يغادر الفريق نحو لا لوفيار البلجيكي الذي غادره بسرعة بسبب تسببه في شجار مع أحد اللاعبين والكثير من الحماقات في هذا النادي. * لكن مع مرور السنين وتخطي اللاعب لمرحلة المراهقة اكتشف الجميع الوجه الحقيقي لرفيق جبور، فهو أحد اللاعبين الأكثر التزاما ومحافظة على الفرائض، حتى أنه اختير كسفير للقضية الفلسطينية في اليونان بسبب تعاطفه مع هذا الشعب الجريح. * ويحسب لجبور الانضباط والالتزام الديني، فهو من أسرة محافظة جدا تنحدر أصولها من الشلف، وهي التي رعت اللاعب وساهمت في تنشئته دينيا وفقا للتقاليد الجزائرية. * * كريم زياني.. ذاك الشبل من ذاك الأسد * * يعترف زياني أن طفولته كانت صعبة للغاية فهو من والدة فرنسية، خاصة وان والديه انفصلا وهو في سن مبكرة، وهو ما جعله يعيش طفولة صعبة. * ظل كريم زياني قريبا من والده الذي رعاه حق رعاية، فرابح زياني ابن احد أحياء العاصمة وصاحب الأصول الامازيغية غرس في ابنه حب الوطن وتعاليم الدين. * ويعود لاعب فولفسبورغ بذكريات الطفولة وزيارته للأهل في بجاية، حيث يستذكر كيف كان يقضي يومياته وفق التقاليد الجزائرية وحفظ القرآن، وهو ما ساهم كثيرا في صقل موهبة اللاعب الكروية بعد أن حاد الطريق وهو في سن المراهقة. * * بوڤرة.. نموذج مثالي للأسرة الجزائرية المحافظة * * ويبدو مجيد بوڤرة هو نموذج مثالي للأسرة الجزائرية في الخارج التي تحافظ على التقاليد وترعى أبناءها رعاية دينية، إذ أن صعوبة العيش في ديجون والمطبات التي صادفت اللاعب لم تكون حائلا للماجيك في ان يوفق في الجمع بين الدراسة ولعب الكرة. * ويذكر مجيد طفولته الصعبة وما عاشه من مصاعب والكثير من المنابر الاعلامية التي لاحقته في سن الطفولة وفي عالم الكرة، ويقول: "لو كان اسمك محمد او مجيد او غير ذلك من الأسماء العربية، فإنك حقا ستعيش الويلات في فرنسا وستكون عرضة للتهميش، وعليك أن تضاعف من مجهوداتك إذا رغبت في الوصول الى المبتغى". * وكان بوڤرة قد تعرض للكثير من الحوادث التي كادت أن توقف مشواره الكروي حتى في فريق غونيون، حينما أجبر على الإفطار في رمضان، لكن اللاعب يبدو دائما متمسكا بدينه وعاداته الجزائرية الأصيلة. * * البضاعة المحلية صورة ناصعة في المنتخب * لاعبون يعفون لحاهم ويمارسون طقوساً دينية خاصة * * * تتزايد مظاهر الالتزام الديني عند العديد من لاعبي كرة القدم في البطولة الوطنية من خلال حرصهم على ممارسة الشعائر الدينية كاملة، أو طريقة لباسهم أو بعض الطقوس التي يلجؤون إليها في التدريب أو قبل كل مباراة. * وإذا كان البعض يعتبر أن تدين أشهر لاعبي كرة القدم بالجزائر "ظاهرة" طبيعية مردها سيادة النموذج الديني داخل المجتمع الجزائري وبحث هؤلاء اللاعبين عن التوازن النفسي، فإن محللين آخرين يقللون من تنامي شأن هذه الحالات ويعتبرون أن الإعلام يسلط الضوء على كل ما هو "إسلامي". * * وتعج البطولة المحلية بالكثير من اللاعبين الذين زاوجوا بين الموهبة الكروية والأخلاق بالإضافة الى الالتزام الديني ساهم في تواجدهم في المنتخب الوطني. * حيث يعرف عن عبد القادر لعيفاوي الأخلاق الحسنة وانضباطه الشديد، وهو ما جعله يحجز مكانة أساسية في المنتخب الوطني، فاللاعب معروف بالتزامه الديني والوسطية والاعتذال، بعيد عن التزمت والغلو، يضاف إلى شراسته فوق الميدان. * ويمارس الحارس لوناس ڤاواوي طقوسا معينة في المنتخب باعتباره أقدم اللاعبين في التعداد الحالي، فهو منضبط كثيرا ويحافظ على أداء الفرائض بشكل يوحي بأنه متدين لدرجة كبيرة دون أن تبدو تلك المعالم.. فهو من أسرة محافظة جدا بذراع بن خدة. * ويشهد الكثير من مرتادي مسجد سعيد حمدين بالعاصمة للحارس زماموش بمحافظته على أداء فريضة الصلاة ومداومته على صلاة الفجر، رغم مشاق التدريبات، حيث يجد نفسه مضطرا للاستيقاظ باكرا لإجراء التدريبات الصباحية. * * رمضان يشحنهم معنويا * مطمور ومغني وبودبوز.. متضامنون ويسارعون في فعل الخيرات * * تحول مصطلح "رمضان" طوال هذا الشهر الكريم إلى واحد من أشهر المفردات في الصحف ووسائل الإعلام الرياضية الأوروبية، التي أصبحت تستخدم هذا الاسم أكثر من أي وقت مضى بعد ارتفاع عدد اللاعبين المسلمين في البطولات الأوروبية عموما. * لكنه بالنسبة للعالم الإسلامي فإن هذا الشهر الفضيل هو فرصة مواتية لدعم رصيد العبد من الحسنات والمسارعة في الخيرات، وهي صفة التصقت بالنشاط الخيري والتضامني لعدد من محترفي المنتخب الوطني. * ويعد كريم مطمور أحد الأعمدة البارزة في المنتخب الوطني الذي تبنى هذا الموقف من خلال التضامن مع الطبقة الكادحة ومع من يعيش في أوضاع مزرية أو مع تلك الطفولة التي تعاني من أمراض مستعصية. * وسبق لمطمور أن أعلن التفافه رفقة مراد مغني حول مسابقة الشروق التضامنية وأبدى تواجده ودعمه للمساهمة في الكف من معاناة هذه الفئة ماديا ومعنويا. * ويتحدث مراد مغني عن هذا الشهر الفضيل بأنه فرصة لمراجعة الحسابات والتفكير في الأمور الأخروية بعيدا عن ملذات الحياة، مبديا استعداده للمساهمة في كل نشاط خيري كلما أتيحت له الفرصة. * وانضم رياض بودبوز للقافلة بمجرد علمه بأن عائدات مسابقة الشروق التضامنية خصصت لأصحاب الأمراض المستعصية، إذ لفت انتباهه بحسه الرهيف وهو يشاهد أحد المرضى وهو يعاني من الورم الخبيث. * وركب الحارس مبولحي الموج رغم حداثته في المنتخب، وهو مستعد لدفع المال ومساعدة الطفولة المسعفة مثله مثل بقية زملائه في المنتخب، عكس ما يفعله البعض من تشويه صورتهم ورسم صور مسيئة عن لاعبي الخضر. * ويعتبر مجيد بوڤرة سفير الإسلام في اسكتلندا بالإضافة إلى اندماجه السريع في الفريق، حيث مارس الكثير من النشاطات الخيرية التي يديرها النادي، لكن بوڤرة وزياني يعدان رائدي النشاط التضامني والإنسان سرا وعلانية سواء في أنديتهما أو المنتخب. * علما أن هذا الثنائي ساهم بأمواله سرا من أجل رعاية أحد الجزائريين وهو يعاني من مرض عضال أثناء معسكر المنتخب الوطني في كرانس مونتانا، حيث فاضت عيناهما من الدمع لما علما بالظروف الصعبة لهذا المريض. * * نموذج للتزاوج بين الكرة والأخلاق . .. * شاذلي العمري . . . مرتل بارع ومواظب على الصلاة، وسباق للأفعال الخيرية * * لازلت أتذكر جيدا المباراة الرسمية الأولى التي خاضها المغترب العمري شاذلي مع الخضر ، كان ذلك أمام منتخب غامبيا بملعب 5جويلية في سهرة رمضانية مشهودة بحضور جمهور غفير من الأنصار، يومها حاولت الاقتراب من اللاعب لأخذ انطباعه حول اللقاء وهو الذي انفجر فرحا بالفوز وكان أحد أحسن اللاعبين فوق المستطيل، في البداية تحفظت قليلا، لأنني اعتقدته صعب المزاج مثل بعض زملائه، لكن ما إن ناديته لأتحدث معه اكتشفت شيئا آخر تماما، شاب متخلق وطيب، يحسن التعامل مع الصحفيين وأكثر من ذلك يتحدث اللغة العربية بطلاقة كبيرة، حينها تبددت كل تحفظاتي ورحت أطرح السؤال تلو الآخر وأحسست وكأنني أعرف الرجل منذ أمد طويل، والحقيقة أنني عرفته قبل بضع دقائق فقط، ومنذ تلك اللحظات القصيرة ازداد احترامي لهذا اللاعب الذي لم يتوان في منحي رقم هاتفه طالبا مني مكالمته في أي وقت، لأنه تحت تصرف كل الناس ولن ينزعج لأي مكالمة هاتفية، وفعلا الشاذلي العمري كان دائما تحت تصرف الإعلام والصحفيين لا يعرف التراجع ولا يقول " لا " لمن يقصده من أصحاب المهنة . * * غيور على الوطن .. متمسك بقيم الإسلام * ابن مغنية الذي ترك انطباعا رائعا وسط الجزائريين بفضل أخلاقه السامية وطبعه الهادئ والمهذب، كسب القلوب في رمشة عين لما أكد تعلقه بالوطن وبمسقط رأس والده رحمه الله والجزائر ككل، فرغم أنه تربى في فرنسا، إلا أن المرحوم حرص على تلقينه قيم الدين الإسلامي والعقيدة المحمدية بعيدا عن سموم الغرب التي تفرق أكثر مما تجمع وتشرد أكثر مما تربي، فكان لاعب كايزرسلاوترن الألماني بمثابة القدوة في التعلق بالدين الإسلامي، فهو مواظب على الصلوات الخمس وحافظ للقرآن الكريم بطلاقة لسان غير مسبوقة، وكأن قدميه لم تطأ يوما فرنسا وأوروبا، أو أنه خريج إحدى المدارس القرآنية بغرب البلاد . * وكم كانت دهشة الجزائريين كبيرة لما اطلعوا على قائمة اللاعبين الذين اصطحبهم الناخب الوطني رابح سعدان للمونديال، حيث تخلى يومها عن شاذلي بالرغم من أن سعدان كان تدارك الخطأ واستدعاه للمنتخب قبل شهر من المنافسة العالمية، غير أن اللاعب لم يتأثر ولم يسارع ل"ذبح" الناخب الوطني على صفحات الجرائد، بل بقي مركزا و أكثر من ذلك أطلق تصريحات تشجيع لا مثيل لها للخضر معتبرا قرار سعدان تجاهه عاد، لأنه المسؤول الأول عن المنتخب وخياراته غير قابلة للنقاش، والرد عليه لم يكن سوى فوق الميدان، حيث وبمجرد إمضائه لنادي كايزرسلاوترن قادما إليه من ماينز تألق في المباريات الودية تاركا بصمات واضحة لا ينكرها إلا جاحد . * وأمام هذا الرد لم يكن أمام سعدان سوى خيار إعادته للفريق من الباب الواسع خصوصا وان اللاعب لم يقابل خيبة أمل المشاركة في المونديال بعنف، وها هو ضمن التشكيلة التي ستواجه تنزانيا يوم الثالث سبتمبر بالبليدة. * * راعي المشاريع الخيرية * * و تتجسد معالم حسن الخلق عند هذا اللاعب القدوة في المشاريع والأعمال الخيرية الكبيرة التي يقوم بها لفائدة الأطفال المرضى والمعوزين، وتضامنه الكبير وغير المشروط مع القضية الفلسطينية لدليل آخر على حسه المرهف وتعلقه بالجانب الروحي بشكل لا يوصف، وها هو أيضا يقدم على فتح مطعم للرحمة في هذا الشهر الفضيل لفائدة عابري السبيل بالجزائر العاصمة، عمل لا يرجو منه الشكر والثناء بقدر ما ينتظر منه الثواب والجزاء الأكبر عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون . * و لمؤكد أن أبناء الجزائر منحدرون من الشجرة الطيبة، تربوا على الصلاح وتعلقهم بالدين والأعمال الصالحات لا ينكره أحد، وانظروا لتلك الأجواء الروحانية والرمضانية المؤثرة التي تسود دائما معسكرات الخضر في العاصمة، فالصلوات جماعة، التراويح من الثوابت ولا فرق بين لاعب محلي وآخر مغترب .