"سأستعين بخبرات اليونيسكو للتحقيق حول المقروئية في الجزائر منذ سنة 1963 تاريخ تسمية أول هيكل تنظيمي لقطاع الثقافة في تاريخ الجزائر المستقلة تحت مسمى وزارة الإعلام، وإلى غاية اليوم، ومع تغيّر هذا الهيكل17مرة جمع خلالها وزير الثقافة أحيانا بين حقيبتي الإعلام والثقافة، وفي أخرى بين الثقافة والسياحة.. ومع ذلك كلّه لم يتم التفكير ولا مرة واحدة من طرف وزراء الثقافة المتعاقبين في إيلاء الكتاب الأهمية المطلوبة. * وظلّت سوق الكتاب تفتقد إلى المعطيات الكافية لتكون دليلا أو خارطة طريق يهتدي بها صانعو الكتاب في الجزائر، ولا ندري لماذا. الفرضية التي يُمكن أن نعلّق عليها أسباب هذا الغياب لها علاقة ربما باحتكار الدولة من خلال القطاع العام لسوق الكتاب صناعة وتوزيعا وتسويقا طوال عشريات من الزمن. وربما لهذا السبب المباشر الذي ينطوي تحته عامل مهم هو غياب التنافسية في سوق مغلقة أمام الاستثمار الخاص، جعل من الدولة ممثلة في وزارة الثقافة، لا تفكر بالجدية المطلوبة في تنظيم سوق الكتاب من خلال خلق مؤسسات تبذل كامل جهدها لترقية صناعته والترويج له، على غرار ما فكّرت فيه أمم أخرى سبقتنا إلى هذا المجال وأحسنت التحكّم فيه. * * تحقيقات حول سوق الكتاب في الجزائر * أما الآن، ومع تنازل الدولة عن كثير من المؤسسات التي كانت تحتكر صناعة الكتاب، وتكييف نشاطات بعضها لتتلاءم مع انفتاح الاقتصاد الوطني على الرأسمال الخاص الوطني والأجنبي، أصبح من الضروري أن يكون لسوق الكتاب رجالاتها، والعارفون بخباياها، مثلها مثل باقي الصناعات الأخرى، وهذا يستدعي تلقائيا وجود هيئات ومؤسسات تعمل تحت وصاية وزارة الثقافة لترقية سوق الكتاب، وجعلها مواكبة والتطورات الحاصلة في مختلف الميادين. * وفي هذا الشأن يعود ميلاد المركز الوطني للكتاب إلى المرسوم الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 27 ماي 2009، على أساس أنّه هيئة عمومية ذات طابع إداري تملك استقلالية مالية وتقع تحت الوصاية المباشرة لوزير الثقافة. وقد تم تعيين منذ أسابيع السيد حسان بن ضيف مديرا لهذا المركز المستحدث الذي اتّخذ من المقر القديم للمكتبة الوطنية مقرا له. * يؤكد حسان بن ضيف في حوار خصّ به "الشروق" أياما قليلة فقط بعد تنصيبه على رأس هذه الهيئة، أنّ المهام الأساسية للمركز الوطني للكتاب هي ترقية الكتاب بشكل عام، وتحت هذا العنوان الكبير يعمل المركز على تشجيع كلّ أشكال التعبير الأدبي وتوزيعها، كما يقترح المبادرات التي تعطي حيوية للنشر وتوزيع الكتاب وترقية المطالعة العمومية. ويدعّم المركز الكتاب عبر مختلف مراحله، كما يقترح ويبدي رأيه عندما تطلب منه وزارة الثقافة وجهة نظره في أي مشروع يتعلق بالكتاب يُوجّه إلى الوزارة بهدف الحصول على الدعم المادي أو المعنوي. ويُضاف إلى هذه المهام كلّها قيام المركز بدراسات وتحقيقات حول سوق الكتاب في الجزائر سواء ما تعلّق منها بالقراءة، النشر، الطبع أو التوزيع، ويقوم أيضا بدراسة وتقديم الخبرة والنصائح لمكتبات المطالعة العمومية المنتشرة عبر الوطن، والتي تقع تحت وصاية وزارة الثقافة، كما يُشارك في تنظيم الملتقيات والصالونات وكافة التظاهرات المتعلقة بترقية والترويج للكتاب الجزائري. * * نحو 4 كتب للتلميذ الواحد في السنة * لم يخف حسان بن ضيف أنّ المهمة الملقاة على عاتق هذا المركز كبيرة، ولذلك سيستعين بتراكم الخبرات لديه لإنجاز المهمة على أكمل وجه هذا من جهة، من جهة أخرى كشف بن ضيف للشروق أنّ الإمكانات التي سيوفرها له المركز سيضعها في خدمة الكتاب وترقيته من خلال اللجان المتخصّصة الأربع المكوّنة للمركز وهي لجنة الإبداع والترجمة، لجنة كتاب الشباب، لجنة النشر والتوزيع والترويج، ولجنة النشاطات المتعلقة بالكتاب. وتتشكل كلّ لجنة من7 أعضاء يتم اختيارهم من المشتغلين بمجال الكتاب والعارفين بشؤونه. أما عن علاقة المركز بالفاعلين في سوق الكتاب خاصة الناشرين الخواص والعموميين، فيؤكد حسان بن ضيف أنّ المركز سيقدّم المساعدة لهؤلاء في دراسة المشاريع عن طريق لجانه المتخصّصة في حال ما طلبوها من المركز، كما سيفكر المركز في وضع دفتر شروط للناشرين، وسيعمل على تقديم كل أشكال الدعم لهؤلاء سواء كانت التقنية أو المادية فيما يخص شراء حقوق النشر والترجمة. في جانب آخر سيقوم المركز بتقديم المساعدة المباشرة للمبدع، وهو أول حلقة من حلقات إنتاج الكتاب، من خلال توجيهه في كيفية الاتصال بالديوان الوطني لحقوق التأليف، وكذا حل المشاكل التي يتخبط فيها المبدعون حاليا، والمتمثلة خاصة في حقوق التأليف التي كثيرا ما لا يدفعها الناشر للمؤلف. * على صعيد آخر، يعمل المركز على ترقية المطالعة العمومية من خلال شبكة المكتبات البلدية، وتزويدها بالكتب والنصائح الضرورية لتوفير ظروف أحسن تسيير لهذه المكتبات. ويُلخّص بن ضيف مهمة المركز في عنوان كبير هو "إيصال الكتاب إلى أكبر عدد ممكن من القراء الجزائريين بأفضل سعر ونوعية ممكنة". وللوصول إلى هذا الهدف الكبير، يُفكّر حسان بن ضيف حسب ما كشف في حواره للشروق، في إجراء تحقيق معمّق فيما يخص المقروئية في الجزائر، والاستعانة بخبرات منظمة اليونيسكو التي تتوفر على مديرية في هذا المجال لتحقيق هذا الهدف الكبير، كما سيعمل المركز على تحقيق الأهداف التي توصّلت إليها وزارتا الثقافة والتربية وهي الوصول إلى أن يكون مجموع ما يقرأه التلميذ هو 4 كتب في السنة، وتكوين الرغبة في المطالعة لدى الطفل بين 8 و10 سنوات، وهذا من خلال المساعدة على تكوين مكتبات مدرسية والوصول إلى أنجع الطرق لتسييرها بالشكل الذي يجعلها تؤدي أهدافها بطريقة * ناجعة. * * أرقام غير صحيحة * نشرت بعض الصحف في وقت سابق أرقاما عن ميزانية المركز الوطني للكتاب، وهي أرقام غير صحيحة بحسب ما كشف عنه حسان بن ضيف للشروق، والحقيقة أنّ مدير المركز المعيّن حديثا ما يزال في مرحلة حصر حجم الاحتياجات المالية المطلوبة، وهو عمل تقني سيرفع حال الانتهاء من إعداده إلى وزارة الثقافة للتفاوض بشأنه مع وزارة المالية قبل الحصول على الموافقة النهائية بشأنه. على مستوى آخر سيعمل المركز من خلال عضويته في لجان تنظيم مختلف التظاهرات ذات العلاقة بالكتاب، كالمعارض الوطنية والدولية وصالونات الكتاب، من أجل الوصول إلى ضبط الاحتياجات الحقيقية للقارئ الجزائري بحسب نوعية الكتاب وكميته. * * من هو بن ضيف * يعدّ مدير المركز الوطني للكتاب من الإطارات التي تلقت تكوينها الجامعي بالجامعات الجزائرية، حيث حصل على ليسانس في العلوم الاقتصادية، وأخرى في علوم الإعلام والاتصال وشهادة ما بعد التدرج في التخصص نفسه من جامعة لومونوسوف من موسكو بروسيا، كما تلقى تكوينا في فرنسا في علوم التسيير. * واشتغل بن ضيف بداية من سنة 1972 بالصحافة، ثم التحق بالقطاع الصناعي كمدير مصنع في مركب الالكترونيات بسيدي بلعباس. وفي سنة 1980 التحق بوزارة الإعلام والثقافة كإطار سام، ليلتحق بعدها سنة 1987 بالمؤسسة الوطنية للكتاب كمستشار للمدير العام، ليصبح سنة 1991 الرئيس المدير العام لذات المؤسسة. شارك في العديد من التظاهرات كرئيس فرع الكتاب والنشر لتظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية ومساعد مدير الكتاب في تظاهرة المهرجان الإفريقي التي احتضنتها الجزائر في وقت سابق. كما شارك في الكثير من لجان النشر بوزارة الثقافة.