شرعت أوساط "قذافية" في تنفيذ "مخطط إعلامي" لإجهاض الثورة الليبية بدفع المجلس الوطني للثورة نحو "ازدواجية الخطاب السياسي"، وإجراء اتصالات مع قادة أحزاب دول الجوار بهدف القيام بوساطة بين القذافي وقيادة الثورة. وتقوم شخصيات موالية للعقيد بدفع "هبات مالية" لشراء الذمم بالتزام الحياد أو الدعوة إلى ما يسمى ب(حل سلمي). والمخطط يمتد إلى معظم الدول التي لم يلتحق فيها الطاقم الدبلوماسي الليبي بالثورة. * تحرير السفارات من كتائب القذافي * السلك الدبلوماسي الليبي في معظم الدول العربية مايزال مترددا في الالتحاق بالثورة، ويحاول استغلال علاقاته السياسية لصالح القذافي، فقد تم الاتصال بالكتاب الجزائريين الذين وصفوا القذافي ب(المفكر المبدع)، وتم الاتصال بقادة الأحزاب التي كانت ترافق أبناء القذافي خلال إقامتهم في الجزائر. * وكأن "ملك ملوك إفريقيا" أو من يسمي نفسه بالزعيم والعقيد يريد توريط من تضامنوا مع ليبيا أثناء الحصار عليها، في الوقوف إلى جانبه ضد المسيرة التحررية للشعب الليبي. ولم تقتصر الاتصالات على "وسطاء القذافي" وإنما هناك تسريبات لمعلومات خاطئة حول ما يجري في ليبيا بالإدعاء بأن مجموعة بنغازي قامت بانقلاب ضد مجموعة طرابلس، وبأن "الصراع" هو حول السلطة وليس الثورة. وهناك من يريد تسويق فكرة "النزاع المسلح" بين القبائل الموالية للقذافي والقبائل الموالية لمجلس الثورة. وشراء "مساحات إعلانية" لحوارات معه ومع أبنائه في القنوات، وتعويض عبارة "ثورة ليبيا" ب"الحرب الليبية" أو "الأزمة الليبية" أو "المعارضة المسلحة". * وهناك تعتيم إعلامي حول مجازر كتائب القذافي في حق الشعب الليبي، وهناك تضليل إعلامي بالزعم بأن هناك اتصالات وحوارات ومفاوضات بين مجلس الثورة والقذافي يراد منها إجهاض الثورة. * الحقيقة هي أن "الآلة الإعلامية والدبلوماسية لزعيم باب العزيزية" تحركت لتشويه الثورة وقياداتها. * المقربون من القذافي نصحوه باستخدام ورقة "الاستقالة" أو طلب التنحّي عن السلطة مقابل عدم متابعة عائلته في المحاكم الدولية. * خيارات الثورة * الثورة الليبية ولدت من رحم "اللاّنظام" للعقيد القذافي، وهي تختلف عن الثورة التونسية التي دفعت بالرئيس إلى الهروب وأعطت الشرعية للجيش ليضمن قيام نظام جديد. وتختلف عن الثورة المصرية التي جعلت الجيش يطيح بالرئيس حسني مبارك ب(التخلي)، والالتحاق بالثوار في ميدان التحرير. أما الثورة الليبية فهي جاءت في شكل انتفاضة شعبية للإطاحة بالقذافي، وحين واجهتها كتائبه والمرتزقة لجأت إلى التسلح وهو ما أعطاها شرعية تحرير البلاد بالسلاح. وبالتالي فهي أول ثورة تبني جيشها وهي تزحف نحو تحرير طرابلس. وستكون أول ثورة في الوطن العربي تنشئ جيشها من أبناء الثورة، وتبني نظاما جديدا ربما يكون قدوة للأقطار العربية في ثوراتها القادمة. * ومادام للثورة جيش جديد مدعم بخبراء وأسلحة، فإن الانتصار حتمي، والمطلوب هو رفض التدخل أو الدعم من أية جهة غربية. فالثورة لا ترهن نفسها لأية جهة كانت، باعتبارها نابعة من الشعب نفسه وعلى الثورة اللجوء إلى "العمل السري عسكريا" حتى تضمن عنصر المفاجأة، وأن تبتعد عن التصريحات غير الرسمية، باعتماد "ندوة صحفية" للناطق الرسمي باسم الثورة، في بعدها العسكري يكون مدعما بتصريح سياسي للناطق الرسمي باسم المجلس الوطني للثورة. * وتبتعد عن خطاب "التوريط"، لبعض الأنظمة في دعم القذافي عسكريا، وإنما في كشف هوية المرتزقة والأطراف الممولة لهم. * وأهم خيارات الثورة هي الاعتراف الدولي بها بتجديد دبلوماسييها عبر السفارات التي لم تلتحق بها. وتتمسك بحظر جوي على طرابلس فقط، وليس على كل التراب الليبي حتى تتواصل مع العالم الآخر. * والتوثيق لجرائم القذافي وأبنائه ودعوة بقية المواطنين إلى الالتحاق بالثورة وإلحاق ممثلي القبائل بالمجلس الوطني للثورة. ووضع دستور جديد، والعمل على التحضير لانتخابات أو نظام سياسي جمهوري جديد وتجنب ما يسمى ب(النظام الجماهيري) أو (النظام الملكي). * ودعوة المفكرين والكتاب والصحافيين الليبيين للالتحاق بالثورة والعمل على إنجاحها، ولاشك أن الثورة تحتاج إلى "بيان تأسيسي" يحمل أهم المبادئ والقيم التي تدافع عنها وتسعى إلى تكريسها. * خيارات القذافي لإجهاض الثورة * إن العمل على تحرير البلاد من كتائب القذافي هو الذي يعطي شرعية لمجلس الثورة، ومادام هناك 75٪ من الأراضي تحت تصرف الثورة، وكذلك مواقع البترول، فإن ما بقي هو مواصلة الزحف. لأن خيارات القذافي كثيرة، فالبعض أفصح عنها وهي "الحرب الأهلية" والبعض لم يفصح عنها ومنها إقحام دولة أجنبية في احتلال ليبيا، أو اللجوء إلى قصف آبار البترول، وقصف البواخر الحربية الأمريكية الموجودة في السواحل الليبية بهدف تدويل القضية. * وهناك سباق محموم بين أمريكا وأوروبا لاحتواء الثورة وتحييد القذافي لاستغلاله كأوراق سياسية لاحقة. *
* إن التفاوض مع القذافي هو أول خطوة لإجهاض الثورة، وإعطاء ضمانات بعدم متابعته قضائيا هو الخطوة الثانية لإفراغ الثورة من محتواها، فالقذافي سيحاكم دوليا وعلى الثورة أن تعمل على محاكمته وطنيا. * القذافي يراهن على إجهاض الثورة بأي ثمن كان، وهو بذلك يشترك مع الكثير من الحكام العرب، وخاصة "الجامعة العربية" كممثل لهم. * والتلويح ب(الصوملة) أو الحرب الأهلية أو خطر القاعدة أو التدخل الأجنبي هي الورقة التي تستخدمها وسائل الإعلام العربية الموالية للقذافي. * إن الحسم العسكري هو الخيار الوحيد للثورة، وهو لا يكون إلا بدعم المواطنين "الطرابلسيين" للثورة. * وسواء تنحّى القذافي أو قاوم الزحف أو ارتكب مجازر جديدة، فإن العدالة ستكون له بالمرصاد. * والقرار الأممي بحظر الطيران سيكون عنصرا مرجحا لكفة نجاح الثورة في دخول طرابلس والقضاء على "معبد باب العزيزية" وكاهنه الأعظم.