جاء في كتاب "تحرير المرأة" للكاتب المصري الشهير قاسم أمين قوله: "المرأة وما أدراك ما المرأة، إنسان مثل الرجل لا تختلف عنه في الأعضاء ووظائفها، ولا في الإحساس، ولا في الفكر، ولا في كل ما تقتضيه حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان، إلا بقدر ما يستدعيه اختلافهما في الصنف . " * الذهنية الذكورية ومآسيها بمناسبة حلول عيد المرأة العالمي، توجب عليّ تخصيص هذا المقال، لاستنطاق تراثنا الزواوي (القبائلي) في شانها، لأن مساعي ترقيتها يجب أن تنطلق من مرجعيتنا الثقافية. لا شك أن المرأة الزواوية قد وقعت في الماضي فريسة للذهنية الذكورية، التي أنزلتها إلى مستوى الأقنان، ولعل ما يؤكد ذلك المثل السائر الذي مفاده "الرجل يطمع في الله، والمرأة تطمع في الرجل: أرْڤازْ أيْطَمَاع ْ ذِي ربّي، ثامْطوثْ أثْ طَمَاع ْ ذڤْ أرْڤازْ". ومما يؤكد أن حياتها كانت ألوانا من المعاناة القاسية، أنه ورد في سياق الأساطير القديمة أن الكلب فضل أتعاب النباح، على أن ينزل إلى مستوى المرأة!(1). وحُرمت بموجب العرف المحلي من حقها في الميراث، واستغلت شر استغلال بإلقاء أعباء المنزل وبعض أشغال الحقل على كاهلها (أثخََدّمْ أخامْ أثْرَنُو لخْلا)، دون مراعاة لأنوثتها وطاقتها المحدودة. وعانت من التمييز في المأكل والملبس، بل وأكثر من ذلك أدرجها العرفُ ضمن الأشياء التي تورث في حالات اجتماعية معينة كالعنوسة، والعقم، وعدم إنجاب الذكور . لكن رغم الشقاوة ومعيشة الضنك، فإن ذلك لم يحل دون بروز شخصية المرأة في المجتمع، وهذا بفضل تفانيها في خدمة أفراد العائلة، الأمر الذي جعل الرجل على فظاظته يعترف بفضلها في حسن التدبير المنزلي، وتجلى ذلك بوضوح في سياق الحكم والأمثال التي جاء فيها على الخصوص [مثل المنزل الخالي من سيدة عجوز تحسن تدبيره، كمثل بستان أشجار التين خالٍ من تينة التلقيح: أخَامْ اُورْ نَسْعِي ثامْغَارْثْ، أمْ اُورْثِي اُورْ نَسْعِي ثاذوكَرْثْ]، وقيل أيضا [امرأة تحسن تدبير المنزل، أفضل من مردود الحرث: تِسيفْ ثامَطّوثْ أيْحَرْزَنْ، ولا ثَايُوڤا أيْگَرْزَنْ ] . لا شك أن الإسلام الذي أنصف المرأة بقيمه العادلة، قد ساعدها على تخطي العادات السيئة المتراكمة عبر الأزمان، فمنحها حق التملك، وحق اختيار الزوج، وحق حصولها على الصداق عند الزواج، وتساويها في الواجبات والحقوق مع الرجل، الأمر الذي ساعدها على صون كرامتها.
قصة لاله خديجة الزواوية الكثير من الناس يعلمون أن أعلى قمة في جبال جرجرة تحمل اسم لاله خديجة، ولكن هل نعرف سر هذه التسمية؟ ارتبط تاريخ لالة خديجة بعزوفها عن الدنيا، وعكوفها على العبادة في خلوتها الكائنة قرب إحدى قمم جبال جرجرة (ثامڤوط ْ إڤاواونْ). جاء في الرواية الشعبية، أن نفرا من طلبة إحدى زوايا المنطقة عزموا على زيارتها في خلوتها، ودار أثناء الرحلة حديث بينهم، طرح أحدهم سؤالا مفاده: كيف نزور نحن الطلبة المتعلمين، امرأة غير متعلمة؟ فأجابه آخر قائلا: يقال إن لها جَدْيَيْن اثنين يساعدانها على قراءة المستقبل، ثم أردف ثالثهم: علينا أن نمتحنها، وذلك بمطالبتها بذبح أحدهما لتكريمنا. وتذكر هذه الحكاية أن لالة خديجة، قد أكرمها الله بسماع ما دار بينهم من الحديث. وعندما وصل الطلبة إليها كانت منهمكة في طحن الحبوب بالرحى اليدوي، واستمرت في عملها دون أن تلتفت إليهم، فتعجبوا من أمرها، وخاطبها أحدهم قائلا: لقد جئناك يا سيدتي من بعيد طلبا لبركتك، لكنك لم تلتفتي إلينا، فهل لنا أن نعرف السبب؟ وعلى اثر ذلك أجابتهم بكلام شعري مفاده: يا سادتي العلماء ما دمتم تدعون العلم، سيروا على نهج معرفتكم، واتركوا الله في شانه، يتصرف حسب إرادته، فهو حنون ورحيم، يدرك أين يضع فيضه . أتسْخِلْوَاثْ أسْيَاذِي الْعُلامْ ثاويمْ أبْريذ ْ مِي تَسْنَمْ أجَّثْ ربّي ذِي شُغْلِيسْ أذيَڤْ ثِيذ ْ إڤَسْثَحْسَنْ نَتسَّ ذحْنِينْ ذرَّحِيمْ الحِيلا يَخْزَنْ يَسَّنْ أجابها أحد الطلبة على نفس المنوال بما معناه : أيتها الأم المشلولة، قصدناك للتبرك، فاعتبرينا من أبنائك، نحن جديرون بحسن ضيافتك التي لا يمكن أن تقل عن ذبح أحد الجديين . أيّمَا خلِيجَه ثُوگْريفْثْ أقْلاغ ْ نُوسَادْ يَاوْكْ غُورَمَ غاسْ حَسْبَاغ ْ سُڤْوَارَويمْ أگْنِوَنَ أتسَزْلُوظ ْ ِيوَنْ فعقّبت لالة خديجة عليه، بأن طلبت من الله أن يسقط الثلوج بكثافة، تغطي السماء،وتقطع مضيق كويلال الذي يسلكه سكان الجبال (إڤاوَاوَنْ) للوصول إلى خلوتها،لأن التواصل معهم عبء، ومحبتهم شقاء. ثم أخبرتهم أنها على استعداد لتلبية طلبهم، إن كانوا قد حملوا معهم ضعف ما طلبوه . أربّي أفْكَدْ أمَتشِيمْ ذڤْ ڤَنّي أدِڤْ أعْلاوَنْ أتسَرْڤَلْ ثيزي كْويلالْ ذي طِيلِينْ إڤاوَاوَنْْ ثامُوسْنِي أنْسَنْ ذاغِيلِيفْ لمْحِبَ أنْسَنْ ذاسَاوَنْ مَا ثَبْويمْدْ أزَالْ نَسِينْ عَدِيثْ أتسَزْلُومْ يوَنْ ( 2 )
نسوة لهن صلة بالعلم رغم أن حظ المرأة في التعليم، كان ضعيفا في الماضي، فإن هناك قلة استفادت منه، وهن في الغالب من بنات المرابطين ومحيط شيوخ الزوايا، فمنهن من حفظن القرآن وبعض المتون الأخرى في اللغة والفقه، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال بنات الشيخ السعيد أبهلول المتوفى سنة 1945م(3). كما برز دور المرأة في حفظ المخطوطات والكتب من خطر الحرق والضياع والتخريب بفعل جرائم الاستعمار الفرنسي، الذي دمر القرى وأحرق منازلها، وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى مكتبة الشيخ الموهوب اُولحبيب الورثيلاني (من قرية ثلا وَزْرَارْ، بلدية عين لڤراج)، التي كانت تحتوي في القرن التسع عشر على حوالي ألف كتاب، وقد تعرضت للحرق سنة 1957، حينما دمر الجيش الفرنسي القرية، وقد تمكنت السيدة زهيرة من إنقاذ نصفها، وقامت بحملها على ظهرها دفنتها في مكان آمن إلى غاية الاستقلال، ويشرف عليها اليوم ببجاية الأستاذ جمال مشهد، الذي نجح في حفظها وتصنيفها حسب المعايير العلمية الدولية .
الشاعرة فاطمة ناثْ الحاج شاركت المرأة في تخليد ذكر بعض العلماء، بالقصائد الشعرية الأمازيغية، المنوّهة بأعمالهم، أو بقصائد تأبينية أحيانا أخرى، وأذكر هنا على سبيل المثال السيدة الورعة إسماعيل فاطمة بنت الإمام إسماعيل محمد المدعو أمْحَندْ ناثْ الحاج (قرية ثاعروسث بإغيل أنزكري)، زوجة يحياوي لحسن(قرية ثزروت، أدكار، بجاية). وقد رزقها الله بموهبة شعرية وظفتها في مجال الإرشاد الديني، وكانت تحفظ الكثير من قصائد الشاعر المتصوف الحاج أسعيذ اُوزفون المتوفى سنة 1946م. واشتهر من شعرها القطعة التأبينية التي خصصتها للمصلح الأستاذ الشيخ باعزيز بن عمر ( 1906 - 1977 ) ، ووالده الشيخ عمر، جاء فيها : ثامَدّيثْ إطيجْ يَنْقَرْ يَرْسْ أطلامْ أفْ لعْبَذيسْ لشياخْ إفِي ڤتسْبينْ أسَّرْ كُلوَا يَبَّضْ أمْكانِيسْ لمْكَمْلِيسْ ذشيخْ أعمَرْ يَلا يسْ إنَتْوَنِيسْ أيْفُوكْ أدِّينْ ذوگَرَّرْ ڤوَاسْمِي إثْ غابَظ ْ أيُوگْييسْ وَلِكْ الحَمْدْ أرَبّي يَمُوثْ أيْعَمْريتسْ أمِّيسْ *** الشيخ باعزيزْ يَمّوثْ لهْظُوريسْ مَزَلِيثَنْ اُوذمِيسْ أيْغُومِيثْ وَگالْ اُورْ يَتسْقَصِيرْ ڤَرْ مَدَّنْ أربّي رَزْقاسْ الجَنَّثْ أتِسينْ أرَا سِذومَنْ رَزْقاسْ الجَنَّثْ أربّي ذلمُومْنِينْ إدِي أتسْحَسِيسَنْ الشيخْ باعزيزْ يَمُوثْ لهْْْذوريسْ مازالْ ألانْ اُوذمِيسْ أيْغُومِيثْ وَگالْ اُورْ يَتسْقَصِيرْ أزّاثْ وَخّامْ أربّي رَزْقاسْ الجَنَّثْ أتسِّينْ أيْذاخَامْ نَدْوَامْ رَزْقاسْ الجَنَّثْ أربّي أجْمِيعْ وذاگْ يَلانْ .( 4 ) ------------------- 1 - H . GENEVOIS : LA FEMME KABYLE , Les Travaux et les Jours , P1 . 2 - M . MAMMERI , Poèmes Kabyles anciens , P 381 . 3 محمد الطاهر فضلاء، الشيخ السعيد أبهلول الورتلاني، ص 26 . 4 ورقة من الأستاذ إسماعيل زكري .