إذا كان "جميع الناس مفكرين" - في نظر أنطونيو غرامشي- فإن "عصبة من ذوي المواهب الفائقة والأخلاق الرفيعة هم الذين يشكلون ضمير البشرية" حسب المفكر جوليان بندا. * وبين المثقف اليساري غرامشي والمثقف اليميني بندا، يقف المثقف العربي إدوار سعيد بالقول "إن المثقفين أو المفكرين أفراد لهم رسالة وهي رسالة فن تمثيل شيء ما، سواء كانوا يتحدثون أو يكتبون أو يعلّمون الطلاب أو يظهرون في التلفزيون، وترجع أهمية الرسالة إلى إمكان الاعتراف بها علنا، وإلى أنها تتضمن الالتزام والمخاطرة في الوقت نفسه وكذلك الجسارة والتعرض للضرر"، فما موقع المثقفين العرب من الثورة الليبية؟ * * مثقفو "القذافية والجملكية"؟ * لا أحد يستطيع إيقاف الثورة الليبية أو منع الشعب الليبي من تحرير ليبيا من بقايا "الفكر الاستبدادي". وصمت الكتاب العرب إزاء المجازر التي ترتكبها "كتائب الموت" القذافية في حق الشعب الليبي، يؤكد فرضية وجود تيار "القذافية والجملكية" في الأوساط الثقافية العربية. * والحقيقة المغيبة لدى هؤلاء المثقفين هي المعلومات المتعلقة بمعمر القذافي، فالكثير لا يعرف أن أمّه يهودية وأن أباه كان يقاتل في صفوف الإيطاليين ضد عمر المختار. ولا أحد يعرف أن أول جريمة ارتكبها معمر القذافي عندما كان طالبا في بريطانيا هي قتل فتاة في بيته مما أدى إلى نشوب أزمة بين بريطانيا والقصر الملكي السنوسي. وكيف احتضنته أمريكا بعد ذلك؟ * وهناك جهات تحاول إخفاء حقيقة ما جرى في أول سبتمبر 1969 وكيف أن المخطط المصري للانقلاب على الملك المقرر يوم 3 سبتمبر 1969وصل إلى المخابرات الأمريكية فدفعت بالقذافي إلى الاستيلاء على الحكم قبل ثلاثة أيام من وقوع الانقلاب؟ لا أحد يعرف كيف خططت أمريكا للانقلاب على العقيد هواري بومدين بافتعال أزمة بين مصر وليبيا ومحاولة القذافي شراء ذمم الجيش الجزائري وكيف كشف سفير الجزائر آنذاك السيد علي كافي خيوط المؤامرة، فأصبح دمه مهدورا مما جعل بومدين يعطيه حرسا خاصا به. * الحقائق كثيرة وليس هذا وقت الكشف عنها، فقد تكون في الجزء الثاني من مذكرات الرئيس كافي. ولكن الحقيقة المستخلصة هي أن انتساب القذافي إلى أمّ يهودية جعله يحتمي اليوم بإسرائيل ويحظى بدعم صهيوني في تأخير حظر الطيران على الأجواء الليبية، ولأن والده من "الڤومية والحرْكة" فهو يستخدم المرتزقة لإبادة الشعب. ولأنه مارس الجريمة وهو طالب في الكلية العسكرية، فإنه يمارسها اليوم علنا. * والرهان على بقائه كالرهان على حصان خاسر، لأن صورته تغيّرت بعد انكشاف حقيقته. * والمثقفون الذين يلتزمون الصمت إزاء جرائم القذافي سيكون مصيرهم مثل مثقفي قنوات حسني مبارك وعائلته. لأن المشكلة ليست في القذافي وإنما في من كوّنوا شخصية القذافي عقيدا ومفكرا وزعيما وملكا ومبدعا وأمينا للقومية العربية. * * أبجديات التيار القذافي * بعد أكثر من 40 سنة من ميلادها صارت مذهبا سياسيا جديدا قاعدته "اللاّنظام" وشرعية قيادته مبنية على انتحال صفات الغير. وشعاره "الظاهرة الصوتية". * القذافية ظاهرة تستند إلى انتحال صفات الغير، فالقذافي انتحل صفة المبدع والمفكر والعقيد والزعيم والأمين وملك الملوك، بحيث كان "المال" هو قيادة القذافية في شراء الذمم، والمرجعية هي "الخيمة الصناعية" والناقة والماعز، وصورة "القذافي" هي الأكثر حضورا في الشارع والمقهى والبيت وحتى على كتاب القرآن الكريم. * وخلال الثورة الليبية التي انطلقت يوم 17 فيفري الماضي تبلور "التيار القذافي" لخدمة دولة "اللاّنظام" فهو ليس نظاما ملكيا أو جمهوريا وإنما ظاهرة صوتية تستخدم المال العام في خدمة "بناء الشخصية القائدة" بإيهام الرأي العام بأن هناك مفكرا وقائدا وزعيما وعقيدا إسمه القذافي، وهو في حقيقة الأمر لا يختلف كثيرا عن "مهرج" في "سيرك عمار" إلا في انتحال صفة المهرج. تتجسد فيه صورة المجنون والمجرم والمريض والمهلوس والسكير والفاقد للوعي والهوية والباحث عن نفسه وسط جثث الموتى ليس له مثيل في تاريخ البشرية لأن مهنته هي انتحال صفة الاخر. * ويخطئ من يتصور أن "القذافية" تستمد قوتها من القبيلة أو العشيرة وإنما هي تيار "الانتهازية الجديدة" وخطورته تكمن في أنه امتداد جوهري للفكر الهتلري. وإنه استنساخ عربي "لمسيلمة الكذاب" و"المسيح الدجال". * ويقابل "التيار القذافي" نظام جديد وُلد مع ميلاد الجرثومة الإسرائيلية في الجسم العربي، وهو "النظام الجملكي" الذي جاء لخدمة الصهيونية المسيحية والأمريكيةالغربية تحت أسماء متعددة مثل الرئيس والملك والأمير والسلطان، بحيث يستمد كل واحد سلطته من الادّعاء بأنه ظلّ الله في الأرض انطلاقا من الذات الملكية والسّمو الأميري، أو "سلطة الشعب" أو سلطة الانتخابات المزيفة. * تحول النظام الملكي في الوطن العربي إلى نظام شمولي وتحول النظام الجمهوري إلى نظام ملكي جديد وتحولت "سلطة الشعب أو الجماهير" إلى "اللانظام" وانقسم النظام العربي إلى ثلاثة تيارات عصبوية وهي 1- القذافية أو اللاّنظام وله أتباع. * 2- وآل الملك أو البيت. * 3 والجملكية أو النظام السياسي الجمهور برئيس ملك. * وهذه الأنظمة الثلاث هي أصل الداء والجرثومة التي زرعت في جسد الشعوب العربية والإسلامية وتأتي الثورات الشعبية ومنها الثورة التونسية والمصرية لإنهاء "النظام الجملكي" في انتظام تعميمها. وتأتي الثورة في ليبيا لإنهاء الظاهرة الصوت ل"اللاّنظام"، وهناك ثورات أخرى في البحرين وعمان والسعودية والمغرب لإعادة الاعتبار ل"النظام الملكي الدستوري" ووضع حد لاستغلال الدين والقبيلة في تسيير الشأن العام. وهي بداية انهيار سلطات المذهب القذافي والجملكي والذات الملكية والأميرية أو ما يسمى ب(أهل البيت) ممن تنكّروا لمحمد (صلى الله عليه وسلم).