رندة بري، حرم السيد نبيه بري، رئيس المجلس النيابي اللبناني، باعتبارها ناشطة في عدة جمعيات مدنية تخص الطفولة والبيئة، تكشف في حديثها ل "الشروق" جانبا من وحشية العدوان الإسرائيلي على لبنان وكيف يعيش 90 ألف لبناني دون مأوى... وسط 8 آلاف لغم إلى جانب القنابل العنقودية المنتشرة في كل مكان حتى فوق أسطح المنازل.. ورغم ذلك عاد 600 ألف نازح إلى منازلهم وقنابل الصهاينة منتشرة على مشكل ألعاب وحيوانات وحجارة زرعت في الجنوب وسط آثار لاستعمال اليورانيوم بعدما عثر على إصابات تشابه أعراض الحالات التي اكتشفت بعد غزو العراق أبادت كل شيء.. لم يبق حيوان واحد يتحرك في الجنوب نتيجة القصف. مبعوث الشروق إلى لبنان : طاهر حليسي * كيف تنظرين كامرأة مهتمة بالعمل الإنساني إلى هذه الحرب؟ إنها حرب اسرائيل على لبنان، هي حرب إبادة حقيقية، لم تكن حربا وكفى، بل كانت حربا دون ضوابط أخلاقية، لم تدمر فقط الحجر والبشر، بل إنها خلفت وراءها تلوثا عاما صحيا وبيئيا سيؤثر على لبنان بشكل عام جراء استعمال أسلحة محظورة دولية تحمل سموما مدمرة للبيئة والانسان، كل هذه العوامل تؤكد أن هذه الحرب تحمل طابع الإبادة، هي أصعب الحروب، إنسانيا هناك آثار مدمرة لهؤلاء الناس (خاصة الجنوب) كانوا يعانون من رواسب الحروب السابقة، الضرر المباشر مس نفس المتضررين 27 عاما، ما بالك اليوم في هذه الحرب الشرسة، على المستوى اللبناني العام ليس هناك بنية اقتصادية سليمة، لبنان أيضا يعاني من رواسب حروب سابقة، وهو منذ 25 عاما في صراع ما بين الدمار (والإعمار) إذن ستكون هناك زيادة في الضرائب على مواطنين متضررين أصلا، إذن إن حجم هذه الكوارث المتعددة ستلقي بتأثيرها السلبي لسنوات عديدة قادمة. * هل هناك بدائل جاهزة وحلول لمعالجة هذه الآثار المدمرة؟ - لبنان سيواجه مشاكل عديدة في المستقبل، ستنعكس سلبا على وضعه الداخلي الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي، وهنا مكمن الخطر، لبنان وحده لا يستطيع مجابهة هذه الأوضاع، ليس بمقدور أي بلد آخر حتى لو كان متطورا مواجهة هذه الكوارث المتنقلة، بصراحة نحن نعتمد وسنعتمد على قوة الدعم القادمة من خارج لبنان من الدول العربية والدول الصديقة، لكن هذه المساعدات لن تكون ذات فائدة إذا لم تكن من خطة تحدد أولويات الأعباء التي يحتاجها لبنان فوريا. * ما هي هاته الأولويات والمساعدات ذات الطابع الاستعجالي؟ - في هذه المرحلة، نحن على مسافة أيام فقط من وقف إطلاق النار، هناك مدن مدمرة الآن، الواجب حماية السكان والمواطنين صحيا، كما أنه من الواجب إعادة لمّ الأسر وشتات العائلات التي خربتها وفرقتها هذه الحرب، أعتقد أن المساعدة الضرورية هي توفير »سكنات جاهزة« هناك الآن 10.000 منزل مدمر و5000 سكن غير صالح للسكن، أي أن هنالك حوالي 90.000 لبناني هم دون مأوى، لكن للأسف ليس هناك برنامج يشمل هذه السكنات المؤقتة والجاهزة، الظروف المناخية القاسية في الشتاء لا تسمح للسكان الإقامة في خيم، هذه أولوية الأولويات المطروحة على جدول المساعدات. * أليس هناك أولويات مباشرة؟ - طبعا هناك الوقاية من الألغام والقنابل العنقودية، ففي كل قنبلة عنقودية هناك 650 لغم تنتشر من كل قنبلة واحدة، هذه القنابل استعملت في الأسبوع الأخير من الحرب وحصلت عليها إسرائيل من الولاياتالمتحدةالأمريكية كما قيل، هذه القنابل الأمريكية الصنع استخدمتها إسرائيل لمنع أي تحرك في الجنوب، مقابل عملية تفخيخ مستقبل الجنوب، عاد إلى الجنوب 600.000 نازح، الحكومة اللبنانية والمنظمات الدولية وحتى الجيش تحاول تفجيرها، بالإضافة إلى ذلك هناك قنابل على شكل ألعاب وحيوانات وحجارة زرعت في الجنوب، خطورة القنابل العنقودية أنها لا يمكن نزعها بل تفجيرها في مكانها، الخطورة أيضا أن هذه الألغام زرعت فوق المنازل والطرقات والبساتين والحقول، وفي ظرف يومين تم إحصاء 8000 لغم موجود، والباقي أكبر بكثير من هذا الرقم، هناك من اللبنانيين من حاولهم قطف عناقيد العنب من بساتينهم فانفجرت عليهم قنابل عنقودية لم تستثن عرائش وأشجار العنب. * ما هو الهدف الإسرائيلي من زرع الجنوب بالقنابل العنقودية؟ - قبل بدء الحرب البرية، زرعت اسرائيل الألغام، لأنها عوضت عدم قدرتها على اجتياح بعض المناطق بزرع هذه الأجسام المدمرة، هذا قتل عمدي ومنهجي لكل ما يتحرك في الجنوب، الآن ليس هناك حيوان واحد يتحرك في الجنوب، اليوم لا يمكنك أن تشاهد حيوانات مثل الكلاب والقطط والدواجن والأبقار والأغنام، لقد تم إبادتها جراء القصف، وهذا له تبعات صحية خطيرة، هذه الجثت ستتحلل وتصبح سموما متنقلة جوا، هناك حديث الآن عن أن استخدام القنابل المحرمة أدى إلى ظهور »اليورانيوم« في بعض المناطق، هناك حالات إصابة باليورانيوم تشبه أعراض الحالات المسجلة بالعراق، ويوجد حاليا مجموعة خبراء يدرسون هذه الحالات الخطيرة، الكارثة البيئية الناتجة عن بقع النفط المرمية في البحر تمتد آثارها من شواطئ لبنان إلى اليونان على طول 150 كلم. * بغض النظر عن الحصائل المروعة، لاحظنا عزلة شبه كاملة لأهالي الجنوب في مجابهة أوضاعهم الطارئة بعد أسبوع من عودتهم إلى البلدات والقرى؟ - هذا صحيح وواضح، ونحن نستغرب هذا الوضع الشاذ، بصراحة لو لم تكن هناك مساعدات عربية ودولية ومن هيئة الأممالمتحدة لكان الوضع أكثر مأساوية، إن جميع المساعدات التي دخلت إلى الجنوب لحد الآن هي مساعدات خارجية، باستثناء الجسور التي أنشأها الجيش وإصلاح الكهرباء والاتصالات، الوضع في الجنوب هش للغاية، الناس الميسورون هم الذين يتطوعون لإعادة مد بعض الجسور دون دراسة مسبقة، إن هذا الوضع غير طبيعي، كنا نعتقد أن الدولة ستواكب بجرافاتها عمليات عودة الأهالي، لكن ذلك لم يحدث، لكنه لن يثنينا عن بذل جهودنا في مساعدة الناس، لأنه لا يمكن ترك الجنوب في حالة فراغ تستغله إسرائيل للعودة وبسط سيطرتها من جديد. * هناك آثار نفسية للحرب على الأطفال والشبان والأمهات، إن هذه الصدمات النفسية ستكون لا محالة صدمات اجتماعية في مجتمع لبناني شهد عدة حروب وفترات سلم هشة.. ما هو المطلوب فعله في هذا المجال؟ - المتوقع هذه المرة أن يكون الخطب أعظم، لأن هذه الحرب لا تشبه سابقاتها في شيء، هناك تدمير منهجي اسرائيلي لكل شيء، على سبيل المثال أن المحصول الزراعي لأهالي الجنوب المعتمد على التبغ والزيتون دمر عن آخره، لقد تعفن منتوج التبغ وذهب إنتاج الزيتون نتيجة القصف وقطع الطرقات، آلاف العائلات ستكون دون اقتصاد الكفاية الذي يضمنها لها هذا النشاط الفلاحي، أيضا فإن آلاف العائلات أصبحت مصدومة نفسيا نتيجة الرعب الذي طال حياتها طيلة 32 يوما، وفقدان الأقارب والأبناء أيضا تحطمت أحلام أجيال بكاملها كانت تعيل أسرا، من وراء ذلك أصبحت حياة الأمهات حياة إحباط نتيجة إجهاض أحلام الأبناء، نحن نخشى أن يولد ذلك عقدا غير مرئية تؤدي إلى انحراف اجتماعي، لذلك نسعى إلى دراسة هذا الموضوع بجدية دراسة علمية تفاديا للانعكاسات الوخيمة على الأجيال القادمة، ونحن نطلب مساعدة الدول العربية والصديقة التي تملك كفاءة في معالجة آثار الحروب تأمينا لمستقبل شعبنا في السنوات القادمة، وحتى لا تصبح تلك العقد والآثار النفسية قنابل موقوتة تهدد كياننا الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي.