إسرائيل تتفتت من الداخل، هذا المجتمع الذي طويلا ما كان يُقدم في الإعلام الغربي على أنه متلاحم واسمنتي، ها هي بوادر التفكك قد بدأت تأكل مفاصله، ما كان، ولزمن طويل، مستورا ومستترا في هذا المجتمع المشكل من إثنيات وأقليات، تفكك بدأ يظهر للعيان. البلد الذي كان يسمي نفسه واحة الديمقراطية في شرق معروف بالاستبداد الديني والسياسي بدأ يتعرى، المثقفون الإسرائيليون على اختلاف انتماءاتهم يدقون ناقوس الخطر، إن الديمقراطية مهددة في بلد لطالما صُوِّر لنا على شاكلة جمهورية أفلاطون، أو كأنه قطعة سقطت من جنات عدن، في هذا البلد المحاط ب»الدلع« من كل جهة ها هي مجموعة المتطرفين السلفيين اليهود في القدس تطلع لتفرض على جزء آخر من المجتمع الإسرائيلي قانونا ينتمي إلى عقلية العهود البائدة، قانون يجرِّم المرأة ويضعها في مرتبة »الكائن غير الراشد«، »الكائن غير النظيف«، »أخت الشيطان« الذي يفسد سريرة المؤمن اليهودي ويثير الفتنة فيه ولو بالنظر. وأمام تصاعد هذه الأصوات الدينية المتطرفة، يرتفع السخط في أوساط المثقفين الإسرائيليين من الليبراليين ودعاة السلام واللائكيين ضد ما تقوم به على أرض الواقع مجموعة هارديم، بعد أن سكت الجميع عنها طويلا. ومجموعة هارديم الدينية واحدة من أكثر الطوائف الدينية اليهودية سلفية وأصولية وتعصبا، وكلمة هارديم Hardim، تعني في العِبْرية: »الخوف من الله«، وهي رهط يُعرف برفضه المطلق للإبداع وتنكره لجميع مظاهر التحديث. لقد صُدِم العالم الغربي الذي رأى وعلى المباشر ممارسات هذه الملة الدينية المتطرفة، لكن هذه المرة ليس ضد العرب الفلسطينيين، ولكن ضد المرأة اليهودية الإسرائيلية، حيث استطاعت هارديم أن تفرض قانونها البائد على حي بالقدس حيث تكاثرت، إذ أنها المجموعة الأكثر إنجابا في إسرائيل، تريد أن تعوِّم العالم من حولها وتفرض سلطتها بالتكاثر الديمغرافي، وقد ارتفعت نسبتهم في المجتمع الإسرائيلي من 3 / 100 إلى 10 / 100 وفي زمن قياسي .إنه تيار ديني مشكل من مجموعات لا تعمل بل تعيش على المنح والعلاوات الأسرية التي تمنحها لها الدولة والخواص، وينذر المنتمون إليها حياتهم كاملة للدراسات الدينية التلمودية مستفيدين من المساعدات الكبيرة المقدمة من قبل الإدارة الإسرائيلية لما يسمى بالمدارس والمعاهد الدينية اليهودية التلمودية، وهي مجموعة ترفض تعلم العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية واللغات الأجنبية. لقد شرعت هذه المجموعة الدينية اليهودية الخارجة من أزمنة غابرة، في الفترة الأخيرة، في تطبيق قانون قروسطي على أرض الواقع، قانون يتكئ على تأويل ديني والداعي إلى فصل النساء عن الرجال في الحياة العامة وفي كل الفضاءات التي تتحرك فيها المرأة وفرض الحجاب عليها لأن جسدها عورة، وأنها شيطانة وساحرة، وانطلاقا من هذا التأويل الديني العنصري فقد خُصِّصتْ، في حافلات النقل العمومي، الأماكنُ الخلفية للنساء والأمامية للرجال، لماذا الأمامية للرجال والخلفية للنساء؟ لأنه وفي منظور هذه المجموعة من العيب أن يجلس الرجل خلف المرأة، وحتى لا ينظر الرجل إلى المرأة لأنها مصدر الفتنة وفساد الشريعة والدين، عليها أن تكون في الخلف، وقد وصل الأمر بهذه الجماعة المتطرفة الأصولية أن خصصت رصيفا للرجال وآخر للنساء، على مستوى شوارع الأحياء التي يستولون عليها ويشكلون فيها مجتمعا غريب الأطوار، يكاد يكون إمارة دينية مستقلة خارجة عن جميع القوانين المدنية. بينما أنا أتابع في الصحافة الغربية كثيرا من الكتابات والشهادات عن هذا الأمر الشاذ والقبيح والمرفوض سياسيا واجتماعيا ودينيا وإنسانيا، والذي هو في أساسه ينم عن سلوك عنصري ضد المرأة وضد إنسانية المرأة وضد مفهوم الشراكة في المواطنة، وأنا أتابع كل ذلك من نقاشات، ذكرتني هذه السلوكات بممارسات السلفية الدينية الإسلامية التي لا تختلف في رؤيتها للمرأة والاختلاط والحجاب اختلافا كبيرا عن رؤية هذه المجموعة التلمودية المتطرفة، فما سمعناه عن السلفية المصرية التي رفضت وضع صورة المرأة المرشحة في قوائمهما، فوضعوا بدلها صورة الزوج!! مع العلم أن المرشحة هي الزوجة!! وكذا الفتاوى التي تتهاطل يوميا معتبرة تارة وجه المرأة عورة، وانتعالها حذاء بكعب عال خارج البيت فتنة وحراما، وآخرها وليس آخرها فتوى الشيخ عبد الباري الزمزمي المغربي الذي أفتى بأن للرجل الحق في ممارسة الجنس مع زوجته حتى وهي ميتة... كل هذه الأصوات الشاذة المشوهة للإسلام تذكرنا بمثل ما نسمعه من حركة هارديم اليهودية. إن التطرف الديني لا لون له، يهوديا كان أم إسلاميا أم مسيحيا أم هندوسيا، إنه يلتقي، في نهاية الأمر، في الاعتداء على إنسانية الإنسان، والحريات الشخصية والجماعية، وتظل حرية وإنسانية المرأة والأقليات الدينية والعرقية الأخرى هي الضحية الأولى، وفي كل ذلك إساءة واعتداء على القيم السامية والروحية التي جاءت بها جميع الديانات. aminzaoui@yahoo.fr