تتقاطع أغلب تحليلات المُتتبعين لتطوّرات الشأن الأمني في منطقة الساحل في وجود نوع من التضخيم بخصوص تهديد ما يسمى ب «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، ما يعني أن هذا التهديد المحتمل مبالغ فيه وما هو سوى غطاء من أجل التدخّل في المنطقة والتأثير على الإستراتيجية التي وضعتها الجزائر لمحاربة الجماعات الإرهابية، وقد ساعدت هشاشة الأنظمة السياسية في عدد من هذه البلدان على التغلغل الخارجي. الموقف السلبي الذي أبدته كل من موريتانيا ومالي حيال الإستراتيجية الأمنية التي دعت إليها الجزائر من شأنه أن يحمل انعكاسات غير مضمونة العواقب على هذين البلدين والمنطقة عموما، لأن ذلك سيمنح مبرّرات لبعض القوى من أجل التدخّل في منطقة الساحل التي أصبحت في الفترة الأخيرة محلّ تنافس غير مُعلن بين فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن من الأهمية بمكان العودة إلى بعض الدوافع التي أعطت هامش حركة واسع أمام هذه القوى من أجل العمل ضدّ التوجّه الذي تُحاول الجزائر فرضه تفاديا لأي شكل من أشكال التدخّل الأجنبي. فقد كشفت الكثير من التطوّرات التي صاحبت تزايد نشاط ما يسمى ب «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» عن وجود توجّه واضح لدى فرنسا بشكل خاص بهدف ترك الانطباع بأن التهديد الإرهابي في الساحل يتطلّب تنسيقا وجهدا يفوق قدرات بلدان هذه المنطقة، كما أن باريس سارت في اتجاه الترويع والمزايدة من خلال تعاملها مع مسألة اختطاف الرعايا الأجانب من طرف التنظيم الإرهابي، وقد أبانت على ذلك في أعقاب العملية العسكرية التي خاضتها قصد تحرير رعيتها المسماة «ميشال جيرمانو» الذي قضت عليه «القاعدة» أواخر شهر جويلية الماضي. وعلى الرغم من أن خبراء أمنيين لا ينفون حقيقة وجود تهديد أمني من طرف «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب بالإسلامي» في الساحل، فإن ذلك لم يمنعهم من الإشارة إلى أن هذا الواقع الذي تريد باريس فرضه على بلدان منطقة الساحل «أمر مُبالغ فيه»، وهو ما يذهب إليه مدير المركز الإفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب، الدكتور «إلياس بوكراع» الذي يرى بأن هذا التنظيم الإرهابي «ليس بالقوة التي يصوّرها الغرب، حيث أن الأمر يتعلق بمجموعة إرهابية صغيرة، وليس بجيش من الإرهابيين». ومن شأن المقاربة الاقتصادية أن تمثّل ثغرة تلعب عليها القوى المتنافسة بهدف التدخّل، ولكن أكثر العوامل خطورة على الإطلاق هو هشاشة الأنظمة السياسية في المنطقة، ما يزيد احتمالات التأثير والتدخّل، وهو ما حصل فعلا، وليس أدلّ على ذلك أكثر من كون بلدان مثل مالي وموريتانيا تحالفت مع فرنسا وأدارت ظهرها إلى الجزائر على الرغم من انخراطها في بداية الأمر ضمن مسعى الجزائر لتنسيق الجهود لمُحاربة الجماعات الإرهابية. وعموما فإن الدول الساحلية، وبالأخصّ النيجر ومالي، ترتبط أساسا بقوى خارجية، وهي تعتبر بأنها نقاط تابعة للدوائر الغربية، وبالتالي فإن شرعيتها الداخلية تستمدها من الولاياتالمتحدةالأمريكية أو فرنسا من خلال الحصول على معونات مالية وهذا ما يُعرّض الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان إلى ابتزاز متواصل، بالنظر إلى هشاشة نُخبها الحاكمة خاصة أمام العامل الجغرافي الذي أدى إلى ظهور العديد من المشاريع، وإدراكا منها لتأثير هذه المتغيّرات فإن الجزائر دخلت في العديد من هذه المشاريع لفائدة المنطقة خاصة بالاتفاقيات التي أُبرمتها معها.