إن كانت الانتفاضة الليبية تستلهم الثورتين التونسية والمصرية اللتين أطاحتا النظامين في الدولتين المجاورتين، فهي لها أيضا بطلها وهو المحامي «فتحي تربل» الذي شكل اعتقاله شرارة أشعلت التحركات الشعبية. وبعد «محمد البوعزيزي» البائع الجوال الشاب الخريج الجامعي الذي أحرق نفسه نتيجة ضيق الظروف الاجتماعية والسياسية في تونس، و«وائل غنيم» الناشط على موقع فايسبوك الذي ندد بأعمال التعذيب التي تمارسها الشرطة المصرية، يجسد «فتحي تربل» "39 عاما" حركة الاحتجاج على نظام القذافي، ويؤكد هذا المحامي "أريد أن يجلب «القذافي» أمام القضاء في محاكمة عادلة". ويضيف الشاب خلال لقاء مع صحافيين، محاطا بمستشارين أكبر سنا منه والذي بدا متوترا حيال الاهتمام الإعلامي المفاجئ له "آمل من كل قلبي أن يتم اعتقال القذافي حيا، لكن إن لم يكن ذلك ممكنا..."، وترك جملته عالقة ليشير بيده إلى قطع عنقه، موحيا بمصير قد يواجهه القذافي في حال القبض عليه. وتعود نقطة التحول في حياة المحامي إلى ملف تسلمه لدى قمع حركة تمرد في سجن «بوسليم» قرب طرابلس عام 1996، في أحداث أدت إلى مقتل حوالي 1200 معتقل وفق منظمات حقوق الإنسان، وبينهم أحد أشقائه وابن عمه وزوج شقيقته. ويروي «تمرد المعتقلون للمطالبة بشروط اعتقال أفضل وبمحاكمة عادلة وبالحق في تلقي زيارات»، مضيفا أن «هذا النظام القمعي والوحشي نفذ مجزرة بحقهم في ساعتين أو ثلاث ساعات وحاول طمس هذه الجريمة». ومنذ ذلك الحين يتولى «فتحي تربل» الذي «اعتقل سبع مرات منها عندما كان طالبا» تمثيل مجموعة من عائلات بنغازي، ثاني مدن ليبيا في شرق البلاد، خسرت أفرادا أثناء قمع التمرد، فخاض في هذا السياق معركة غير متكافئة مع جهاز الأمن حتى اعتقاله الأخير. ويقول «في 15 فيفري جاء عشرون من عناصر قوات الأمن مدججين بالسلاح إلى منزلي لتوقيفي»، مضيفا «انتشر الخبر بين عائلات الضحايا التي قررت التظاهر للمطالبة بالإفراج عني»، ويوضح «اقتادوني إلى عبد الله السنوسي مسؤول الأمن الشخصي لمعمر القذافي والذي كان في بنغازي». ويتابع كان عصبيا جدا وسألني ما هو هدفنا. أجبته (الحقيقة حول أبو سليم وإنزال العدالة)، وقال «أدركت أن ما يريده هو منع قيام التظاهرة» بعد أيام قليلة على إطاحة الرئيس المصري «حسني مبارك» تحت ضغط الشارع وقبله الرئيس التونسي «زين العابدين بن علي». ويتابع «فتحي تربل» الذي أطلق سراحه فجر السادس عشر من فيفري «عرضت عليه أن يدعني أخرج لأتكلم مع المتظاهرين لكنه قال لي إنهم إن أرادوا التظاهر، ففي وسع قوات الأمن منعهم وأنه لا يريد أن يجعل مني بطلا»، ويضيف «تقابلنا مجددا في ذلك اليوم ورفض اقتراحي بترك التظاهرة تجري». ويشير إلى أن التظاهرات التي انطلقت من بنغازي في 17 فيفري «انتشرت إلى كل أنحاء ليبيا» منذ ذلك الحين، من دون أن يتوقع لنفسه دورا بارزا في أي نظام جديد في ليبيا، ويؤكد «من الصعب ممارسة مهام عليا في هذا البلد ولا أعتقد أن لدي القدرة ولا الطموح لذلك».