رغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى الجزائر حيال تعاملها مع ما يحصل في ليبيا باعتبارها البلد الأكثر تأثيرا في المنطقة المغاربية، إلا أنها تتابع بانشغال كبير مجريات الأحداث هناك، ويتصدر الهاجس الأمني أكبر انشغال لها في ظل التطورات الحاصلة، خاصة منها الانتشار العشوائي للسلاح وتزايد احتمالات أن يُعيد فرع «القاعدة» بالمنطقة تنظيم صفوفه في ظل هذا الوضع. ما قاله مُنسّق مكافحة الإرهاب في كتابة الدولة للخارجية الأمريكية قبل يومين بخصوص احتمالات أن يُقدم ما يسمى ب «تنظيم القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي على إعادة تنظيم صفوفه على خلفية تدهور الوضع الأمني في ليبيا، يُحيل إلى الكثير من المخاوف التي تنتاب الإدارة الأمريكية وعدد من شركائها في المنطقة المغاربية والساحل الصحراوي على السواء، فكلما طال عمر الأزمة في ليبيا كلما أتيحت مزيد من الفرص أمام هذا التنظيم الإرهابي للتحرّك. ولذلك فإنه زيادة على حساسية الموقف الجاري في ليبيا منذ حوالي عشرين يوما بالنسبة إلى الجزائر من منطلق مبدأ الجوار، بما يستدعي حرص الجزائر على ضرورة أن تتوصل مختلف الأطراف هناك إلى حلول تُعجّل بإنهاء النزاع وحالة الاحتقان، فإنه من الأهمية بمكان التأكيد على أن البعد الأمني ليس أقل أهمية من منظور الدبلوماسية الجزائرية وحتى السلطات الرسمية، وهو ما يكشف عنه الحراك الدبلوماسي الدائر في الفترة الأخيرة. ومن هذا الجانب بالذات ليس من مصلحة الجزائر ولا بلدان منطقة الساحل استمرار الفوضى في ليبيا، والأخطر من ذلك هو أن الاتهامات التي ساقتها جهات رسمية في نظام «معمر القذافي» إلى تنظيم «القاعدة» بأنها استغلت الوضع المتأزم في ليبيا من أجل استهداف مخازن السلاح والاستحواذ على كميات معتبرة منها قد تكون صحيحة، بل إن هذه التصريحات أخذت على محمل من الجدّ من طرف بلدان المنطقة بعيدا عن كل حسابات سياسية، بما فيها الجزائر التي تدرك أكثر من أي بلد آخر حجم الأخطار التي قد تنجر من احتمال تزويد هذا التنظيم الإرهابي بالسلاح. ويُمكن من خلال هذه المعطيات أن نفهم طبيعة التحرّكات الجارية الآن على الصعيد الدبلوماسي، فالحياد الذي التزمت به الجزائر لا يعني في نهاية المطاف بأن لا تبالي بحقيقة ما يجري في ليبيا، فاستمرار التدهور الأمني والفوضى بالشكل الذي هي عليه الآن لا يخدم الشعب الليبي على نفس القدر من المساواة مع شعوب المنطقة، لأنه هناك محاولات واضحة وتحرّكات خفية لاستغلال هذا التدهور للجماعات والعناصر الإرهابية لتحقيق أهداف عجزت عنها في الوضع الطبيعي، فالآن أصبح من الصعوبة مراقبة التحرّكات الجارية رغم أن التنسيق يبقى ساريا بين مختلف الشركاء. وعموما فإنه لا يمكن نفي أن الأوضاع اختلطت كليا في ليبيا وتسير نحو نتائج خطيرة جدا على المنطقة، وهي في نهاية المطاف تهيئ الأجواء لعودة النشاط الإرهابي بشكل يختلف عددا وعدّة عما كان في السابق، والجزائر من منطلق التجربة الكبيرة التي اكتسبتها في مجال مكافحة الإرهاب على دراية بهذا الواقع خاصة وأن بقايا الجماعات الإرهابية أصبحت تتمركز في المساحات الصحراوية الوعرة، وبالتالي فإنها حريصة على قطع الطريق أمام أي محاولة لاستغلال ما يجري في ليبيا من أحداث لأن أمام تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» فرصة كبيرة لإعادة التمركز والانتشار من جديد.