تعترف وزارة الشؤون الخارجية الأمريكية في تقريرها لسنة 2009 حول الإرهاب في العالم ، والذي نشر قبل يومين؛ أنّ السلطات الأمنية والعسكرية في الجزائر نجحت في تقليص قدرات التنظيم الإرهابي "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وقدرت واشنطن في التقرير، تحصلت "النهار" على نسخة منه، أن التنظيم الإرهابي تراجع نشاطه في المناطق غير العمرانية، وأن أهدافه تقلصت بشكل كبير. وهذا نص التّقرير حرفيا كما أعدته اللجنة المختصة على مستوى وزارة الخارجية الأمريكية. شهدت الوضعية الأمنية في الجزائر، تراجعا في عدد اعتداءات الإرهابيين في أرجاء البلاد، كما شهدت انخفاضا في نشاطات الإرهابيين المتواصلة في المناطق غير العمرانية. إنّ "الجماعة السّلفية للدّعوة والقتال" والتي انضمت إلى القاعدة بصفة رسمية في 2006، وتدعو نفسها حاليا "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والتي كانت سابقا تستهدف مصالح الحكومة الجزائرية والتي أصبحت أكثر توجها للعمليات الإنتحارية والمقاصد المدنية، فبعض قادة "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" هم متمردون سابقون فيما يسمى بتنظيم "الجيا". وتبقى مصالح الحكومة الجزائرية على رأس الأهداف الأساسية والأولية لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وقد لجأ التنظيم إلى عمليات الإختطاف، من أجل توسيع نطاق الحصول على الفدية ضد الغربيين في منطقة السّاحل. الحكومة الجزائرية وفي إطار عمليات مكافحة الإرهاب، والتي تعمل على تعزيز التواجد الأمني وتفكيك شبكات دعم هذه الأخيرة، نجحت في تقييد قدرات "القاعدة" على تنفيذ اعتداءات ضخمة في المدن الجزائرية الكبرى، حيث لم تسجل الجزائر أية هجمات انتحارية بعد مارس وشهر رمضان والذي يعرف بصفة خاصة على أنه مرحلة هجمات متكرّرة كان هادئا. ورغم ذلك فإن "القاعدة" نفذت اعتداءات قاتلة ضد الحكومة والأهداف المدنية، مستعملة في ذلك سياسة الكمائن والقنابل اليدوية التي يتم زرعها على حافة الطّرقات، وخاصة في منطقة القبائل شرق الجزائر العاصمة، كما عزّزت هذه الأخيرة نشاطاتها الإرهابية على طول الحدود المالية الجزائرية. وسجلت خلال السنة هجمات إرهابية مختلفة: في التّاسع من مارس، قتل شخصان في هجمة انتحارية قام بها منتسب إلى "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في مركز مراقبة للحرس البلدي في تادمايت، 70 كيلومترا عن العاصمة الجزائرية. في 17 من جوان قتل تنظيم "القاعدة" 18 ضابطا في هجمة مسلحة ضد سيارة شرطة، كانت ترافق مجموعة من العمال الصينيين إلى موقع عملهم قرب برج بوعريريج، شرقي الجزائر العاصمة. في 4 من أوت، يصيب الإرهابيون 25 شخصا من بينهم 4 ضباط شرطة، في انفجار استهدف مركز شرطة في تيزي وزو شرق الجزائر العاصمة. في 22 من أكتوبر قتل الإرهابيون 7 أشخاص وأصابوا 3 عناصر أمن جزائريين يعملون في مشروع مياه كندي. وتواصل "القاعدة" استعمال سياسة الكمائن والقنابل اليدوية، رغم جهود قوات الأمن، ربط سكان متكونين من أهداف مدنية خلال أكثر من عشرية من الإرهاب العنيف، والتواجد المتنامي باستعمال الهواتف الأكثر ضعفا لإيجادها واستهدافها، كما أنّ معظم الهجمات تستهدف المناطق الرّيفية والضّواحي، كما أنّ الإرهابيين أصبحوا أكثر حذرا لتأسيس قواعد بعيدة، التي تتواصل باعتدال وتقوم بهجمات بالغة في التّخطيط والدّقة. تنظيم القاعدة ليس له أي دعم شعبي، كما أنه ليس بالقوة الكافية للإطاحة بالحكومة الجزائرية، عندما تكون قوات الأمن في الضّواحي، تقترب من معاقل الإرهاب الذين يبقون في الغالب خارجا وتتعطل هجماتهم وكل نشاطاتهم الإرهابية. وبمتابعة جملة العمليات الإنتحارية التي تم القيام بها في 2007 من قبل تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، نجد أن هذه الأخيرة تلقت أوامرا بتجنب التعرض للمدنيين، وأصبحت العمليات الإرهابية بالتالي مركزة أكثر على العسكريين، الشرطة والمستهدفين الأجانب. ويبدو أنّ القاعدة بدأت في الفترة الأخير تعمل على تعطيل الأعمال والنشاطات التجارية، ومن المحتمل أن تقوم بهجمات إرهابية، الهدف من ورائها دفع الأجانب إلى التخلي عن استثمار أموالهم في الجزائر، كما أنّ الحصيلة الشّاملة لضحايا الهجمات الإرهابية المدنيين انخفضت في السّنوات الأخيرة. وخلال الحرب الأهلية التي اشتعل فتيلها سنة 1992، والتي خمدت نيرانها مع سنة 2000، أسقط الإرهابيون أكثر من 10000 ضحية في السنة وكان معظمهم من المدنيين. في الماضي أكدت مصالح الأمن الجزائرية؛ أن "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تلجأ إلى القوة والدعوة إلى الجهاد في العراق كوسيلة لتجنيد الشباب في التنظيم، حيث وجه الكثير من هؤلاء بدل القتال في العراق إلى الجماعات المحلية في الجبال الجزائرية. في السّنوات الماضية انتشرت فيديوهات الدّعاية لتنظيم القاعدة الصادرة أصلا من الجزائر، وقد كانت عبارة عن عمل هواة و بتمويلات ضئيلة جدا وبصورة درامية بدأ هذا في التغير مع بداية سنة 2008، وكان من الضروري أن تقوم القاعدة بوضع تشديدات كبيرة على إثبات نوعية هذه الفيديوهات والبيانات، التي كانت موجهة خصيصا إلى جلب انتباه الشباب الجزائري إلى قضية "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، خاصة وأن العديد من هذه الفيديوهات التي نشرت عبر مواقع الأنترنت مثل سلسلة "ظلال السيف" و"جحيم المرتدين"، تعرض عمليات استهدفت العسكريين الجزائريين والأهداف الأمنية، والتي تحوي أيضا تحضيرات الهجمات واجتماعات قادة الإعتداءات. إنّ القدرة على قيادة اعتداء مسلح والإعلان عن المسؤولية عنه عبر بيان في حدود ساعات بعد الحادثة، يظهر الأهمية التي توليها "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" التي تمرر رسائلها في الإعتداءات من أجل ربح الحرب الإعلامية. إن النشاطات الإرهابية خاصة السّطو على سائقي السيارات في حواجز الطرقات التي تكون عادة في الطرق الجانبية، والتي يعمل القائمون بها على الظهور كقوات الأمن الحقيقية، وتقوم بالنهب المسلح واختطاف المواطنين الجزائريين، يعيد توجيه الإنتقادات إلى تمويل عمليات التنظيم إلذي يعاني ضائقة مالية، خاصة في وحداتها المتواجدة في شمال البلاد، والتي تعتمد بشكل كبير على الفديات التي يقدمها أهالي المختطفين في الجزائر وفي منطقة الساحل، حيث أن القاعدة تقوم بتمويل نفسها عن طريق الإبتزاز والتّهريب في جنوبالجزائر وشمال مالي. إن نجاح مكافحة الإرهاب من قبل القوات الجزائرية تجمع بين الرفض الشعبي للإرهاب، والذي يظهر في انخفاض تأثير تنظيم القاعدة خلال السنتين الفارطتين، ففي أوت قامت الحكومة الجزائرية باستضافة اجتماع قادة عسكريين لفريق من كل من مالي، ليبيا، موريتانيا والنيجر، لتطوير إستراتيجية محاربة الإرهاب في المنطقة، وتأسيس مركز قيادة جهوية في مدينة تمنراست الجنوبية، حيث قادت الجزائر جهودا حثيثة في المنتديات الدولية، من أجل إدانة دفع الفدية إلى الجماعات الإرهابية، وخلال سنة 2008 قامت الحكومة الجزائرية بوضع برنامج لاستخدام 100000 ضابط شرطة ودركي جديد، كما عزّزت هذه الأخيرة التواجد الأمني في الحدود وشددت الأمن في المطارات، كما زادت من التواجد الأمني الشامل في المدن الكبرى في الوطن، وكانت المبادرة فعّالة في التقليل من أثر حوادث العنف التي يفتعلها الإرهاب، كما أظهرت عزم الحكومة الجزائرية على مكافحة الإرهاب. وحقّقت القاعدة في بلاد المغرب نجاحا جزئيا، بسبب قلة الشّباب الجزائريين في صفوفها، بتجديد عناصرها وتعزيز عددهم، خاصة بعد اعتقال وقتل حوالي 1300 إرهابي في صفوفها، ويبدو أنّ البقية تظهر أكثر تشددا ومقاومة لعرض العفو الشّامل الذي قدمته الحكومة. ورغم تواصل هجمات القاعدة، فإن وضعية الأمن الشامل تبقى مثبتة مقارنة بالوضعية الأمنية في سنوات التسعينات، كما أن قوات الأمنية والعسكرية في الجزائر، لابد أن تتعود بصورة دائمة على التغيرات في تكتيك تنظيم القاعدة وتتقبل أن منظمة أصبحت تهديدا محليا في المقام الأول، والآن لها قدرة تمتد إلى المنطقة المحيطة، كما لها علاقات وفروعا دولية، إلاّ أنّ القوات العسكرية والأمنية في الجزائر تبقى قادرة على التّعامل مع جهود كبيرة في محاربة كل تهديدات الإرهاب الدّاخلي.