تتوالى التلميحات من جانب الجزائر إلى إمكانية تطبيع العلاقات مع المملكة المغربية في الفترة الحالية، ويبدو واضحا أن تصريحات الرئيس بوتفليقة في مدينة تلمسان منتصف الشهر الحالي بخصوص العلاقة مع الرباط لم تأت من فراغ، فقد عاد وزير الخارجية مراد مدلسي إلى فتح الباب أمام احتمال إعادة فتح الحدود البرية المغلقة بين البلدين منذ سنة 1994 . ففي حوار نشرته جريدة الشروق في عددها الصادر أمس وصف مدلسي بقاء الحدود بين البلدين مغلقة بأنه أمر غير معقول، وقال "لابد من فتح الحدود"، غير أنه اشترط لذلك "خلق الظروف" المناسبة، على أن يؤدي القرار إلى حفظ مصالح الطرفين "بصفة أمينة ومتوازنة "، واعتبر أن ذلك يمر عبر "التشاور بين المسؤولين"، وأكد الوزير وجود مشاوارات بين مسؤولي البلدين منذ 3 أشهر "واتفقنا على تبادل الزيارات في قطاعات حساسة جدا، وربما سنستمر في هذه الزيارات إلى غاية نهاية السنة، وستنتج منها برامج تعاون، قد يكون تنفيذ نتائجها تشجيع للطرفين على خطوات اخرى بينها، لِمَ لا فتح الحدود" أضاف مدلسي. تصريحات مدلسي جاءت لتؤكد ما ذهب إليه وزير الخارجية المغربي في شهر فيفري الماضي عندما تحدث عن وجود اتصالات بين البلدين على أعلى مستوى من أجل تحسين العلاقات وقد صدق تلك التصريحات مدلسي أياما بعد ذلك عندما أشار إلى أن الجزائر والمغرب يبذلان جهودا من أجل خلق ''جو إيجابي جديد'' يساهم في تفعيل وتنشيط العلاقات بين البلدين، وقد حرصت الرباط بعد ذلك على التعبير من خلال وزير خارجيتها عن الرغبة في تطبيع العلاقات والعمل من أجل إعادة فتح الحدود البرية. في نهاية شهر فيفري الماضي زارت الجزائر الوزيرة المغربية للطاقة أمينة بن خضرة حيث أجرت محادثات مع وزير الطاقة يوسف يوسفي وقامت بزيارة حاسي الرمل وغرداية فيما اعتبر إشارة قوية على هذه المساعي التي تهدف إلى تجاوز حالة الفتور السائدة في العلاقات الثنائية منذ سنوات، ولعل ميدان الطاقة هو من الميادين الحساسة التي أشار إليه مدلسي ضمن المجالات التي يجري بعث التعاون فيها بين البلدين، وهذه هي المرة الأولى التي يشير فيها المسؤولون الجزائريون إلى إمكانية فتح الحدود البرية، حيث كانوا في السابق يتحاشون الحديث عن التفاصيل رغم أن فرص إعادة فتح الحدود بدت كبيرة جدا في سنة 1999 بعد أن تولى بوتفليقة مقاليد الحكم في الجزائر قبل أن تحدث انتكاسة في العلاقات بين البلدين مجددا بعد وفاة العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني. تصريحات الرئيس في تلمسان منتصف الشهر الجاري بدت معبرة عن الحركية التي تطبع العلاقات بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة، فقد أشار الرئيس إلى أن الجزائر ليست لديها أي مشاكل مع المغرب، وأن قضية الصحراء الغربية لا يجب أن تكون عقبة في وجه هذه العلاقة، وقد جاءت إشارات الرئيس في سياق حديث عن انسحاب الوفد المغربي من حفل افتتاح تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية بسبب حضور وفد يمثل الصحراء الغربية، غير أن هذه التفاصيل لا تبدو مهمة مقارنة مع التأكيد على ضرورة إصلاح العلاقة مع المملكة والذي أصبح يأتي من أعلى مستوى. وإذا كان حديث الرباط عن التطبيع مع الجزائر بقي دوما مرتبطا بمسألتين أساسيتين، الأولى هي الدعوة إلى تسريع الاندماج الاقتصادي بين دول المنطقة، والثانية هي الهدف المرجو من التطبيع وهو فتح الحدود البرية المغلقة منذ سنة 1994، بما يعني أن الرؤية المغربية لم تتغير من حيث الجوهر، بل إن تأكيد الرباط على أن قضية الصحراء الغربية لا تحتمل أي حل خارج إطار مبادرة الحكم الذاتي المغربية يشير إلى أن الأمر قد يكون له علاقة بحسابات اقتصادية، فإن التطورات الجارية إقليميا تدفع باتجاه البحث عن بدائل أخرى من أجل مواجهة احتمالات الانفجار الاجتماعي والذي قد يأخذ بعدا سياسيا كما تشير إليه الأوضاع في المملكة، وهنا يبدو أن التحولات الجارية في المنطقة أصبحت تدفع باتجاه تسريع عملية التطبيع والتي ستتوج بإعادة فتح الحدود البرية، وإشارة مدلسي إلى نهاية السنة الجارية قد تكون تلميحا إلى أن جدولا زمنيا لتنقية الأجواء بدء يتضح الآن. ومثلما يعتبر فتح الحدود متنفسا اقتصاديا للمغرب وعاملا مساعدا على تنمية المناطق الحدودية، فإن علاقات مستقرة وهادئة بين البلدين ستزيد من فرص الاستقرار، خاصة وأن الجزائر أصبحت منزعجة مما يجري على حدودها الشرقية بفعل الصراع الدائر في ليبيا والمخاطر التي قد تنجم عن التدخل العسكري الأجنبي في المنطقة.